الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

قوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } جمع سكران { حتى تعلموا ما تقولون } سبب نزول هذه الآية ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال صنع لنا ابن عوف طعاماً فدعانا فأكلنا وسقانا خمراً قبل تحريم الخمر فأخذت منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: قل يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون قال فخلطت فنزلت { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وأخرجه أبو داود ولفظه أن رجلاً من الأنصار دعاه وعبدالرحمن بن عوف فسقاهما قبل أن تحرم الخمر فحضرت الصلاة فأمَّهم علي في المغرب فقرأ قل يا أيها الكافرون فخلط فيها فنزلت الآية: { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } وروى ابن جرير الطبري عن ابن عباس أن رجالاً كانوا يأتون الصلاة وهم سكارى قبل أن تحرم الخمر فقال الله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } الآية فعلى هذا ففي المراد بالصلاة قولان: أحدهما أنه نفس الصلاة ذات الركوع والسجود وهو قول الأكثرين المعنى لا تصلّوا وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون. والقول الثاني إن المراد بالصلاة موضع الصلاة وهو المسجد وإطلاق لفظ الصلاة على المسجد محتمل فيكون من باب حذف المضاف. والمعنى لا تقربوا مواضع الصلاة وأنتم سكارى وحذف المضاف جائز سائغ. ويدل عليه قوله تعالى لهدمت صوامع وبيع وصلوات والمراد بالصلوات مواضعها فثبت أن إطلاق لفظ الصلاة والمراد موضعها جائز. واعلم أن هذا النهي عن قربان الصلاة في حالة السكر إنما كان قبل تحريم الخمر فكانوا يشربونها في غير أوقات الصلاة ثم نزل تحريم الخمر بعد ذلك ونسخت هذه الآية وقال الضحاك المراد بالسكر سكر النوم يعني لا تقربوا الصلاة عند غلبة النوم ويدل عليه ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلّى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر ربه فيسب نفسه " أخرجاه في الصحيحين. وقوله تعالى: { ولا جنباً } يعني ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنب والجنب يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب وأصل الجنابة البعد سمي الذي أصابته الجنابة جنباً لأنه يتجنب الصلاة والمسجد وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل { إلاّ عابري سبيل } العابر هاهنا فاعل من العبور وهو قطع الطريق من هذا الجانب إلى الجانب الآخر واختلف العلماء في معنى قوله إلا عابري سبيل على قولين: أحدهما إن المراد بالعبور هو العبور في المسجد وذلك أن قوماً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فتصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ولا ممر لهم إلاّ في المسجد فرخص لهم العبور فيه فعلى هذا القول يكون المراد بالصلاة موضع الصلاة والمعنى لا تقربوا المسجد وأنتم جنب إلا مجتازين فيه للخروج منه أو للدخول فيه مثل أن يكون قد نام في المسجد فأجنب فيجب الخروج منه أو يكون الماء في المسجد فيدخل إليه أو يكون طريقه عليه فيمر فيه من غير إقامة وهذا قول ابن مسعود وأنس بن مالك والحسن وسعيد بن المسيب وعكرمة وعطاء الخرساني والنخعي والزهري وإليه ذهب الشافعي وأحمد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد