الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في سبب النزول وجهين: الأول: أن جماعة من أفاضل الصحابة صنع لهم عبد الرحمن بن عوف طعاما وشرابا حين كانت الخمر مباحة فأكلوا وشربوا، فلما ثملوا جاء وقت صلاة المغرب فقدموا أحدهم ليصلي بهم. فقرأ: أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد، فنزلت هذه الآية، فكانوا لا يشربون في أوقات الصلوات، فإذا صلوا العشاء شربوها، فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون، ثم نزل تحريمها على الإطلاق في سورة المائدة. وعن عمر رضي الله عنه أنه لما بلغه ذلك قال: اللهم إن الخمر تضر بالعقول والأموال، فأنزل فيها أمرك فصبحهم الوحي بآية المائدة. الثاني: قال ابن عباس: نزلت في جماعة من أكابر الصحابة قبل تحريم الخمر كانوا يشربونها ثم يأتون المسجد للصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فنهاهم الله عنه. المسألة الثانية: في لفظ الصلاة قولان: أحدهما: المراد منه المسجد، وهو قول ابن عباس وابن مسعود والحسن، وإليه ذهب الشافعي. واعلم أن إطلاق لفظ الصلاة على المسجد محتمل، ويدل عليه وجهان: الأول: أنه يكون من باب حذف المضاف، أي لا تقربوا موضع الصلاة، وحذف المضاف مجاز شائع، والثاني: قوله:لَّهُدّمَتْ صَوٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوٰتٌ } [الحج: 40] والمراد بالصلوات مواضع الصلوات، فثبت أن إطلاق لفظ الصلاة والمراد به المسجد جائز. والقول الثاني: وعليه الأكثرون: أن المراد بالصلاة في هذه الآية نفس الصلاة، أي لا تصلوا إذا كنتم سكارى. واعلم أن فائدة الخلاف تظهر في حكم شرعي، وهو أن على التقدير الأول يكون المعنى: لا تقربوا المسجد وأنتم سكارى ولا جنبا إلا عابري سبيل، وعلى هذا الوجه يكون الاستثناء دالا على أنه يجوز للجنب العبور في المسجد، وهو قول الشافعي. وأما على القول الثاني فيكون المعنى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، ولا تقربوها حال كونكم جنباً إلا عابري سبيل، والمراد بعابر السبيل المسافر، فيكون هذا الاستثناء دليلا على أنه يجوز للجنب الإقدام على الصلاة عند العجز عن الماء. قال أصحاب الشافعي: هذا القول الأول أرجح، ويدل عليه وجوه: الأول: أنه قال: { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } والقرب والبعد لا يصحان على نفس الصلاة على سبيل الحقيقة، إنما يصحان على المسجد. الثاني: أنا لو حملناه على ما قلنا لكان الاستثناء صحيحا، أما لو حملناه على ما قلتم لم يكن صحيحا، لأن من لم يكن عابر سبيل وقد عجز عن استعمال الماء بسبب المرض الشديد، فإنه يجوز له الصلاة بالتيمم، وإذا كان كذلك كان حمل الآية على ذلك أولى. الثالث: أنا إذا حملنا عابر السبيل على الجنب المسافر، فهذا إن كان واجدا للماء لم يجز له القرب من الصلاة ألبتة، فحينئذ يحتاج إلى إضمار هذا الاستثناء في الآية، وإن لم يكن واجدا للماء لم يجز له الصلاة إلا مع التيمم، فيفتقر إلى إضمار هذا الشرط في الآية، وأما على ما قلناه فانا لا نفتقر إلى إضمار شيء في الآية فكان قولنا أولى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7