الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

{ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ } أي يقبضها عن الابدان بأن يقطع تعلقها تعلق التصرف فيها عنها { حِينَ مِوْتِـهَا } أي في وقت موتها { وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ } أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت { فِى مَنَامِـهَا } متعلق ـ بيتوفى ـ أي يتوفاها في وقت نومها على أن مناماً اسم زمان، وجوز فيه كونه مصدراً ميمياً بأن يقطع سبحانه تعلقها بالأبدان تعلق التصرف فيها عنها أيضاً فتوفي الأنفس حين الموت وتوفيها في وقت النوم بمعنى قبضها عن الأبدان وقطع تعلقها بها تعلق التصرف إلا أن توفيها حين الموت قطع لتعلقها بها تعلق التصرف ظاهراً وباطناً وتوفيها في وقت النوم قطع لذلك ظاهراً فقط، وكأن التوفي الذي يكون عند الموت لكونه شيئاً واحداً في أول زمان الموت وبعد مضي أيام منه قيل: { حِينَ مِوْتِـهَا } والتوفي الذي يكون في وقت النوم لكونه يتفاوت في أول وقت النوم وبعد مضي زمان منه قوة وضعفاً قيل: { فِي مَنَامِـهَا } أي في وقت نومها كذا قيل فتدبره ولمسلك الذهن السليم اتساع.

وإسناد الموت والنوم إلى الأنفس قيل: مجاز عقلي لأنهما حالا أبدانها لا حالاها، وزعم الطبرسي أن الكلام على حذف مضاف أعني الأبدان. وجعل الزمخشري الأنفس عبارة عن الجملة دون ما يقابل الأبدان، وحمل توفيها على إماتتها وسلب صحة أجزائها بالكلية فلا تبقى حية حساسة داركة حتى كأن ذاتها قد سلبت، وحيث لم يتحقق هذا المعنى في التوفي حين النوم لأنه ليس إلا سلب كمال الصحة وما يترتب عليه من الحركات الاختيارية وغيرها قال في قوله تعالى: { وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِـهَا } أي يتوفاها حين تنام تشبيهاً للنائمين بالموتى، ومنه قوله تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ } [الأنعام: 60] حيث لا تميزون ولا تتصرفون كما أن الموتى كذلك. وما يتخايل فيه من الجمع بين الحقيقة والمجاز يدفع بالتأمل. وتقديم الاسم الجليل وبناء { يَتَوَفَّى } عليه للحصر أو للتقوي أو لهما، واعتبار الحصر أوفق بالمقام من اعتبار التقوي وحده أي الله يتوفى الأنفس حقيقة لا غيره عز وجل.

{ فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى } أي الأنفس التي { قَضَى } في الأزل { عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ } ولا يردها إلى أبدانها بل يبقيها على ما كانت عليه وينضم إلى ذلك قطع تعلق التصرف باطناً، وعبر عن ذلك بالإمساك ليناسب التوفي.

/ وقرأ حمزة والكسائي وعيسى وطلحة والأعمش وابن وثاب { قَضَي } على البناء للمفعول ورفع { ٱلْمَوْتُ }.

{ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ } أي الأنفس الأخرى وهي النائمة إلى أبدانها فتكون كما كانت حال اليقظة متعلقة بها تعلق التصرف ظاهراً وباطناً، وعبر بالإرسال رعاية للتقابل { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو الوقت المضروب للموت حقيقة وهو غاية لجنس الإرسال الواقع بعد الإمساك لا لفرد منه فإنه آتي لا امتداد له فلا يغيا.

السابقالتالي
2 3