قوله تعالى: { أَمْ خُلِقوا من غير شيء } فيه أربعة أقوال. أحدها: أَمْ خُلقوا من غير ربٍّ خالق؟ والثاني: أَمْ خُلقوا من غير آباءٍ ولا أُمَّهات، فهم كالجماد لا يعقِلون؟ والثالث: أَمْ خُلقوا من غير شيء كالسماوات والأرض؟ أي: إنهم ليسوا بأشَدَّ خَلْقاً من السماوات والأرض، لأنها خُلقت من غير شيء وهم خُلقوا من آدم، وآدم من تراب. والرابع: أَمْ خُلقوا لغير شيء؟ فتكون «مِنْ» بمعنى اللام. والمعنى: ما خُلقوا عَبَثاً فلا يؤمَرون ولا يُنْهَون. قوله تعالى: { أَمْ هُمُ الخالقون } فلذلك لا يأتمرون ولا ينتهون؟ لأن الخالق لا يؤمر ولا يُنهى. قوله تعالى: { بَلْ لا يوقِنون } بالحق، وهو توحيدُ الله وقدرته على البعث. قوله تعالى: { أَمْ عندهم خزائنُ ربِّك } فيه ثلاثة أقوال: أحدها: المطر والرِّزق، قاله ابن عباس. والثاني: النُّبوَّة، قاله عكرمة. والثالث: عِلْم ما يكون من الغيب، ذكره الثعلبي. وقال الزجاج: المعنى: أعندهم ما في خرائن ربِّك من العِلْم، وقيل: من الرِّزق، فهم مُعْرِضون عن ربِّهم لاستغنائهم؟! قوله تعالى: { أَمْ هُمُ المصيطِرون } قرأ ابن كثير: «المُسيطِرونَ» بالسين. وقال ابن عباس: المسلَّطون. قال أبو عبيدة: «المُصيطِرون» الأرباب. يقال: تسيطرتَ عليَّ، أي: اتَّخذتَني خَوَلاً، قال: ولم يأت في كلام العرب اسم على «مُفَيْعِل» إلا خمسة أسماء: مُهَيْمِن، ومُجَيْمِر، ومُسَيْطِر، ومُبَيْطِر، ومُبَيْقِر، فالمُهيْمن: الله الناظر المُحصي الذي لا يفوته شيء؛ ومُجَيْمر: جبل؛ والمُسَيْطِر: المسلَّط؛ ومُبَيْطِر: بَيْطار؛ والمُبَيْقِر: الذي يخرُج من أرض إلى أرض، يقال: بَيْقَرَ: إذا خرج من بلد إلى بلد، قال امرؤ القيس:
أَلا هَلْ أَتاهَا، والحوادِثُ جَمَّةٌ
بأنَّ امْرأَ القَيْس بنَ تَمْلِك بَيْقَرا؟
قال الزجّاج: المسيطِرون: الأرباب المسلَّطون، يقال: قد تسيطر علينا وتصيطر: بالسين والصاد، والأصل السين، وكل سين بعدها طاء، فيجوز أن تُقلب صاداً، تقول: سطر وصطر، وسطا علينا وصطا. قال المفسرون: معنى الكلام: أم هم الأرباب فيفعلون ما شاؤوا ولا يكونون تحت أمر ولا نهى؟! قوله تعالى: { أَمْ لهم سُلّمٌ } أي: مَرْقَىً ومصْعدٌ إلى السماء { يستمِعونَ فيه } أي: عليه الوحيَ، كقوله:{ في جذوع النَّخْل } [طه: 71] فالمعنى يستمِعونَ [الوحي] فيعلمون أنَّ ما هُم عليه حق { فلْيأت مُستمِعُهم } إِن ادَّعى ذلك { بسُلطانٍ مُبينٍ } أي، بحُجَّة واضحة كما أتى محمد بحُجَّة على قوله. { أمْ له البناتُ ولكم البَنونَ } هذا إنكار عليهم حين جَعلوا لله البناتِ. { أم تسألُهم أجراً فهم من مَغْرَمٍ مُثْقَلونَ } أي: هل سألتهم أجراً على ما جئتَ به، فأثقلهم ذلك الذي تطلبه منهم فمنعهم عن الاسلام؟ والمَغْرمَ بمعنى الغُرْم وقد شرحناه في [براءة: 98]. قوله تعالى: { أم عندهم الغَيْبُ } هذا جواب لقولهم: «نَتربَّص به ريْبَ المَنون»؛ والمعنى: أعندهم الغيب؟ وفيه قولان.