الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ }

قوله تعالى: { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ }: " بل " حرفُ إضرابٍ وانتقال لا إبطالٍ، لِما عَرَفْتَ غيرَ مرة من أنها في كلام الله كذلك. و " إياه " مفعول مقدَّم للاختصاص عند الزمخشري، ولذلك قال: " بل تَخُصُّونه بالدعاء، وعند غيره للاعتناء، وإن كان ثَمَّ حَصْرٌ واختصاص فِمِنْ قرينة أخرى. " وإياه " ضمير منصوب منفصل تقدَّم الكلامُ عليه مشبعاً في الفاتحة وقال ابن عطية: " هنا " إيَّا " اسم مضمر أُجري مُجرى المظهرات في أنه مضاف أبداً " قال الشيخ: " وهذا خلافُ مذهبِ سيبويه، فإنَّ مذهب سيبويه أن ما بعد " إيَّا " حرفٌ يُبَيِّن أحوال الضمير، وليس مضافاً لما بعده، لئلاَّ يلزمَ تعريفُ الإِضافةِ، وذلك يستدعي تنكيره، والضمائر لا تَقْبَلُ التنكير فلا تقبل الإِضافة.

قوله: { مَا تَدْعُونَ } يجوز في " ما " أربعةُ أوجه، أظهرها: أنها موصولة بمعنى الذي أي: فتكشف الذي تَدْعون، والعائد محذوف لاستكمال الشروط أي: تَدْعونه. الثاني: أنها ظرفية، قال ابن عطية. وعلى هذا فيكون مفعول " يكشفُ " محذوفاً تقديره: فيكشف العذاب مدةَ دعائكم أي: ما دُمْتُمْ داعِيه.

قال الشيخ: " وهذا ما لا حاجةَ إليه مع أنَّ فيه وَصْلَها بمضارعٍ، وهو قليلٌ جداً تقولُ: " لا أُكَلِّمك ما طلَعت الشمس " ويضعف: ما تطلع الشمس " قلت: قوله بمضارع " كان ينبغي أن يقول مثبت؛ لأنه متى كان منفياً بـ " لم " كَثُر وَصْلُها به نحو قوله:
1921- ولَنْ يَلْبَثَ الجُهَّالُ أن يَتَهَضَّموا   أخا الحلم ما لم يَسْتَعِنْ بجَهول
ومِنْ وَصْلها بمضارعٍ مثبت قولُه:
1922- أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ ثم آوي   إلى أمَّا ويَرْويني النقيعُ
وقول الآخر:
1923- أُطَوِّفُ ما أُطّوِّفُ ثم أوي   إلى بيتٍ قعيدَتُهُ لَكاعِ
فـ " أُطَوِّفُ " صلةُ لـ " ما " الظرفية.

الثالث: أنها نكرة موصوفة ذكره أبو البقاء، والعائد أيضاً محذوف أي: فيكشفُ شيئاً تَدْعونه أي: تَدْعون كَشْفَه، والحذفُ من الصفةِ أقلُّ منه من الصلة. الرابع: أنها مصدرية، قال ابن عطية: " ويَصِحُّ أن تكون مصدرية على حذف في الكلام " قال الزجاج: " وهو مثل:وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82]. قلت: والتقدير: فيكشف سبب دعائكم وموجبه قال الشيخ " وهذه دعوى محذوف غيرِ معين وهو خلاف الظاهر " وقال أبو البقاء: " وليست مصدرية إلا أَنْ تجعلَها مصدراً بمعنى المفعول " يعني يصير تقديره: فيكشف مَدْعُوَّكم أي: الذي تَدْعُون لأجله، وهو الضُّرُّ ونحوه.

قوله: { إِلَيْهِ } فيما يتعلق به وجهان، أحدهما: أن يتعلق بـ " تَدْعون " ، والضمير حينئذ يعود على " ما " الموصولة أي: الذي تدعون إلى كَشْفِه، و " دعا " بالنسبة إلى متعلِّق الدعاء يتعدى بـ " إلى " أو اللام.

السابقالتالي
2