قوله تعالى: { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ } قرأ حمزة والكسائي: " يُفْتَحُ " بالياء والتخفيف، وقرأ أبو عمرو: بالتاء، لتأنيث الأبواب، وبالتخفيف، ووافقه الباقون في القراءة بالتاء، لكنهم شددوا التاء. ومن قرأ بالياء؛ فلأن تأنيث الأبواب غير حقيقي. والمعنى: لا يفتح لأعمالهم ولدعائهم ولأرواحهم، كما جاء في الحديث عن النبي: " ينتهى بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء، فترسل بين السماء والأرض فتصير إلى الأرض ". وقد قيل: المعنى: لا تفتح لهم أبواب الجنة؛ لأن الجنة في السماء، ويدل عليه قوله: { وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ }. وقرئ بالحركات الثلاث على السين، فالفتح قراءة الأكثرين، والضم قراءة ابن مسعود وأبي رزين وأبي مجلز وقتادة، والكسر قراءة أبي عمران وأبي نهيك، ورواه الأصمعي عن نافع. قال الزجاج: الخِياط: الإبرة، وسُمُّها: ثقبها. وقال الثعلبي: الخياط والمخيط: الإبرة. قلت: وقد قرأ " المِخْيَط " جماعة، منهم: ابن مسعود وأبو رزين وأبو مجلز. وقال الواحدي: الخِيَاط: ما يُخاط به. والمعنى: لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في ثقب الإبرة، أي: حتى يكون ما لا يكون من ولوج الجمل -الذي يضربون به المثل في عظم الأجرام وامتداد الأجسام، حتى قال الشاعر:
..........................
جِسْمُ الجِمَالِ وأَحْلامُ العَصَافِيرِ
وسمّوا الرجل العظيم الخَلْق: جُمالياً- في خَرْت الإبرة الذي يضربون به المثل في ضيق المسلك، فيقولون: أضيق من خُرْت الإبرة. وقالوا للماهر في الدلالة: خِرِّيت؛ لاهتدائه في المضائق المشتبهة، المشبّهة بأخرات الإبر. وقرأت على الشيخين أبي البقاء اللغوي وأبي عمرو الياسري رحمهما الله لعاصم من رواية أبان عنه: " الجُمّل " بضم الجيم وتشديد الميم، وبها قرأ جماعة، منهم: ابن عباس في رواية شهر بن حوشب عنه، وأبو رزين، ومجاهد، وابن محيصن، وهو: القَلْس الغليظ. ورجح ابن عباس هذه القراءة؛ لما بين الحبل وسم الخياط من الارتباط. وقرأ قتادة: " الجُمَل " بضم الجيم وفتح الميم وتخفيفها، وهي رواية مجاهد عن ابن عباس. وقرأ سعيد بن جبير وعكرمة: " الجُمْل " بضم الجيم وسكون الميم. قال ابن الأنباري: الجُمَل يحتمل أمرين: يجوز أن يكون بمعنى الجَمَل، ويجوز أن يكون بمعنى جملة من الجمال قيل في جمعها جمل، كما يقال حُجْرة وحُجَر، وظُلْمة وظُلَم. وكذلك من قرأ الجُمْل يسوغ له أن يقول: الجُمْل بمعنى الجَمَل، وأن يقول الجُمْلُ جمع جملةٍ، مثل: بسرة وبسر. وقرأ ابن عباس في رواية عطاء بن السائب والضحاك والجحدري: بضم الجيم والميم والتخفيف. وقال ابن جني: الجُمَّلُ بالتثقيل، والجُمُل بالتخفيف، فكلامهما: الحَبْل الغليظ.