قوله تعالى: { لا أقسم } قال الزجاج: المعنى: أقسم. و «لا» دخلت توكيداً، كقوله تعالى:{ لئلا يعلم أهل الكتاب } [الحديد: 29] وقرأ عكرمة، ومجاهد، وأبو عمران، وأبو العالية، «لأُقْسِمُ» قال الزجاج: وهذه القراءة بعيدة في العربية، وقد شرحنا هذا في أول «القيامة». قوله تعالى: { وأنت حل بهذا البلد } فيه ثلاثة أقوال. و { البلد } هاهنا: مكة. أحدها: حل لك ما صنعت في هذا البلد من قَتْلٍ أو غيره، قاله ابن عباس، ومجاهد. قال الزجاج: يقال: رجل حِلٌّ، وحَلاَل، ومُحِلٌّ. قال المفسرون: والمعنى: إن الله تعالى وعد نبيَّه أن يفتح مكة على يديه بأن يُحلَّها له، فيكون فيها حِلاًّ. والثاني: فأنت مُحِلٌّ بهذا البلد غير مُحْرم في دخوله، يعني: عام الفتح، قاله الحسن، وعطاء. والثالث: أن المشركين بهذا البلد يستحلون إخراجك وقتلك، ويحرِّمون قتل الصيد، حكاه الثعلبي. قوله تعالى: { ووالدٍ وما ولد } فيه ثلاثة أقوال. أحدها: أنه آدم وما ولد، قاله الحسن، ومجاهد، والضحاك، وقتادة. والثاني: أولاد إبراهيم، وما ولد: ذريته، قاله أبو عمران الجوني. والثالث: أنه عامٌّ في كل والدٍ وما ولد، حكاه الزجاج. قوله تعالى: { لقد خلقنا الإنسان } هذا جواب القسم. وفيمن عنى بالإنسان خمسة أقوال. أحدهما: أنه اسم جنس، وهو معنى قول ابن عباس. والثاني: أنه أبو الأشدين الجمحي، وقد سبق ذكره، [المدثر: 29، والانفطار: 5] قاله الحسن. والثالث: أنه الحارث بن عامر بن نوفل، وذلك أنه أذنب ذنباً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، فقال: لقد ذهب مالي في الكفارات، والنفقات منذ دخلت في دين محمد، قاله مقاتل. والرابع: آدم عليه السلام، قاله ابن زيد. والخامس: الوليد بن المغيرة، حكاه الثعلبي. قوله تعالى: { في كَبَدٍ } فيه ثلاثة أقوال. أحدها: في نَصَبٍ، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، فإنهم قالوا: في شدة. قال الحسن: يكابد الشكر على السَّرَّاء والصبر على الضَّرَّاء، لأنه لا يخلو من أحدهما ويكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة. قال ابن قتيبة: في شدة غلبةٍ ومكابدةٍ لأمور الدنيا والآخرة، فعلى هذا يكون من مكابدة الأمر، وهي معاناته. والثاني: أن المعنى: خلق منتصباً يمشي على رجلين، وسائر الحيوان غير منتصب، رواه مقسم عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، والضحاك، وعطية، والفراء، فعلى هذا يكون معنى الكبد: الاستواء والاستقامة. والثالث: في وسط السماء، قال ابن زيد: «لقد خلقنا الإنسان» يعني: آدم «في كبد» أي: في وسط السماء. قوله تعالى: { أيحسب أن لن يقدر عليه أحد } يعني اللهَ عز وجل أي: [أيحسب أن] لن نقدر على بعثه، ومعاقبته؟! { يقول أهلكت مالا لُبَداً } أي: كثيراً، قال أبو عبيدة: هو فعل من التلبُّد، وهو المال الكثير بعضه على بعض.