قال الله تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } يريد: النجم؛ [لأنه] يَطْرُقُ ليلاً. قال الفراء والزجاج وابن قتيبة: كل من أتاك ليلاً [فقد] طَرَقك. قال المفسرون: يريد: جنس النجوم. ومنه قول هند بنت عتبة:
نحن بنات طارق
......................
تريد: أن أبانا نجمٌ في ارتفاع شرفه وعلوّه. ويروى [عن] علي عليه السلام: أنه زحل. قال ابن عباس: هو نجم مسكنه في السماء السابعة، لا يسكنها غيره من النجوم. وقال ابن زيد: يريد: الثريا. وقد ذكرنا أنه عَلَمٌ له فيما مضى. { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } على معنى التعظيم له، والتفخيم لشأنه. قال المفسرون: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدري ما المراد به لو لم يُنبَّه بقوله: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي: المضيء، كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه. وجواب القسم: { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } ، وقد ذكرنا اختلاف القراء السبعة في " لما " في يس عند قوله:{ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا } [يس: 32]، وأشرنا إلى تعليل القراءتين، وأوضحنا القول في ذلك إيضاحاً شافياً، فاطلبه هناك. وقرأ أبيّ بن كعب وأبو المتوكل: " إنَّ كلَّ نفس " بتشديد النون ونصب " كُلّ ". قال ابن عباس: هم الحفظة من الملائكة. قال قتادة: يحفظون عملك ورزقك وأجلك، إذا توفّيته يا ابن آدم قبضت إلى ربك. ثم نَبَّهَ على البعث بقوله: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } أي: فلينظر منكر البعث ببصيرته نظر تفكر واستدلال، من أيّ شيء خلقه الله؟!. وجواب هذا الاستفهام قوله: { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } وهو المني. والدَّفْق: صَبٌّ فيه دفع. والمعنى: مدفوق. قال الفراء: هو كقول العرب: سِرٌ كاتم، وَهَمٌّ ناصب، وليلٌ نائم، وعِيشةٌ راضية، وأهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلاً. وقال الزجاج: مذهب سيبويه وأصحابه أن معناه: النسب إلى الاندفاق. المعنى: من ماء ذي اندفاق. قال الزمخشري: ومعنى دافق: النسبة إلى الدفق الذي هو [مصدر] دفق، كاللاَّبن والتَّامر، أو الإسناد المجازي. والدفق في الحقيقة لصاحبه، قال: ولم يقل ماءين؛ لامتزاجهما في الرحم، واتحادهما حين ابتدئ في خلقه. قوله: { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } قال الفراء: يخرج من الصلب والترائب، تقول للشيئين: ليخرجن من بين هذين خير كثير، ومن هذين خير كثير. وفي الصلب أيضاً لغات؛ ضم الصاد واللام. -وبها قرأ ابن مسعود، وابن سيرين، وابن السميفع، وابن أبي عبلة-. وفتحهما، وقد قُرئ [بها] أيضاً، وصالب، بزيادة ألف. والمعنى: يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة. ويروى عن الحسن وقتادة: من بين صلب الرجل وترائبه. والترائب: عظام الصدر. قال الزجاج: أهل اللغة مجمعون على أن الترائب: موضع القلادة من الصدر، وأنشدوا لامرئ القيس: