قوله - عز وجل -: { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ }. قال قتادة: هو اسم السورة. وقال غيره: { حـمۤ } قضى ما هو كائن، وقد ذكرناه. وقوله: { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ }. قال قتادة: مبين بركته وهداه ورشده. وقال بعضهم: مبين بين الحلال والحرام، [و]ما يؤتى وما يتقى. وقال بعضهم: مبين بين الحق والباطل. وهو عندنا مبين بأنه من الله - تعالى - ليس هو من تأليف البشر، ولا من توليدهم، ولكنه من الله تعالى حيث عجزوا عن إتيان مثله، والله الموفق. وقوله: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، كأنه يقول: جعلنا ذلك الكتاب عربيّاً لعلكم تعقلون. وقيل: { جَعَلْنَاهُ } أي: أنزلناه قرآناً عربيّاً. قيل: { جَعَلْنَاهُ قُرْآناً } أي: سميناه قرآنا، ليس أن جعله قرآنا، ولكن معناه: جعلناه عربيّاً، أي: نظمناه بالعربية؛ لتعقلوا، أو سميناه: قرآنا. ثم قوله - تعالى -: { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } يخرج على وجوه: أحدها: أي: أنزلناه عربيّاً على رجاء أن تعقلوا. والثاني: أنزلناه عربيّاً لتعقلوا، وذلك يرجع إلى قوم مخصوصين قد عقلوه وفهموه؛ إذ لم يعقلوه جميعاً، ولا يتصور أن ينزله ليعقلوه ولا يعقلوه، فإن ما أراد الله - تعالى - [يكون] لا محالة، وما فعل ينفعل؛ قال الله - تعالى -:{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل: 40]. والثالث: أنزلناه عربيّاً لكي يلزمهم أن يعقلوه ويتبعوه؛ ليزول عذرهم والاحتجاج على الله - تعالى - أنه كان على غير لساننا، والله أعلم. وعلى هذا يخرج تأويل " لعل " في جميع القرآن أنه للتحقيق إذا كان من الله تعالى. فإن قيل: فعلى التأويل الأخير، كيف يخرج قوله:{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [البقرة: 189] لا يستقيم أن يقال: لكي يلزمكم أن تفلحوا؟ قيل: معناه: لكي يلزمكم السبب الذي به تفلحون، وهو مباشرة الإيمان والطاعات، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }. قوله: { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ } يرجع إلى وجهين: أحدهما: أي: القرآن في أصل الكتاب، وبه أقول، وهو اللوح المحفوظ، وأم الشيء: أصله ويسمى أم القرى مكة؛ لهذا. والثاني: أي: القرآن في الكتب المتقدمة، فإن الأمهات سميت: أمهات؛ لتقدمها على الولد، وهو كقوله:{ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } [الشعراء: 196]، وقوله - تعالى -:{ إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [الأعلى: 18-19]. وقوله - عز وجل -: { لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }. قال ابن عباس: أي: هو أعلى الكتب وأحكمها وأعدلها. وقال بعضهم: وصف كتابه بالعظمة والمنزلة والشرف عنده. وقوله: { حَكِيمٌ } يحتمل وجهين: أحدهما: حكيم بمعنى: محكم؛ كقوله - تعالى -:{ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } [هود: 1] أي: بالحجج والبراهين. والثاني: سماه: حكيماً؛ لما جعل فيه من الحكمة، والله أعلم.