الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } إلى آخره عطف على ما قبله عطف القصة على القصة أو على مقدر ينساق إليه ما قبله كأنه قيل الذين آمنوا أعمالهم حالاً ومآلاً كما وصف والذين كفروا { أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍ } أي أعمالهم التي هي من أبواب البر كصلة الأرحام وفك العناة / وسقاية الحاج وعمارة البيت وإغاثة الملهوفين وقرى الأضياف ونحو ذلك على ما قيل، وقيل أعمالهم التي يظنون الانتفاع بها سواء كان مما يشترط فيها الإيمان كالحج أم كانت مما لا يشترط فيها ذلك كسقاية الحاج وسائر ما تقدم، وقيل المراد بها ما يشمل الحسن والقبيح ليتأتى التشبيهان، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك. والسراب بخار رقيق يرتفع من قعور القيعان فإذا اتصل به ضوء الشمس أشبه من بعيد الماء السارب أي الجاري، واشترط فيه الفراء اللصوق في الأرض، وقيل هو ما ترقرق من الهواء في الهجير في فيافي الأرض المنبسطة، وقيل: هو الشعاع الذي يرى نصف النهار عند اشتداد الحر في البر يخيل للناظر أنه ماء سارب، قال الشاعر:
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم   كلمع سراب في الفلا متألق
وإلى هذا ذهب الطبرسي، وفسر الآل بأنه شعاع يرتفع بين السماء والأرض كالماء ضحوة النهار { بِقِيعَةٍ } متعلق بمحذوف هو صفة لسراب أي كائن بقيعة وهي الأرض المنبسطة المستوية، وقيل هي جمع قاع كجيرة في جار ونيرة في نار. وقرأ مسلمة بن محارب { بقيعات } بتاء طويلة على أنه جمع قيعة كديمات وقيمات في ديمة وقيمة، وعنه أيضاً أنه قرأ { بقيعاة } بتاء مدورة ويقف عليها بالهاء فيحتمل أن يكون جمع قيعة ووقف بالهاء على لغة طيء كما قالوا: البناه والأخواه، ويحتمل كما قال صاحب «اللوامح» أن يكون مفرداً وأصله قيعة كما في قراءة الجمهور لكنه أشبع الفتحة فتولدت منها الألف.

{ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً } صفة أخرى لسراب. وجوز أن يكون هو الصفة وبقيعة ظرفاً لما يتعلق به الكاف وهو الخبر؛ والحسبان الظن على المشهور وفرق بينهما الراغب بأن الظن أن يخطر النقيضان بباله ويغلب أحدهما على الآخر والحسبان أن يحكم بأحدهما من غير أن يخطر الآخر بباله فيعقد عليه الأصبع ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك. وتخصيص الحسبان بالظمآن مع شموله لكل من يراه كائناً من كان من العطشان والريان لتكميل التشبيه بتحقيق شركة طرفية في وجه الشبه الذي هو المطلع المطمع والمقطع المؤيس. وقرأ شيبة وأبو جعفر ونافع بخلاف عنهما { الظمان } بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الميم.

{ حَتَّىٰ إِذَا جَاءهُ } أي إذا جاء العطشان ما حسبه ماء، وقيل إذا جاء موضعه { لَمْ يَجدْهُ } أي لم يجد ما حسبه ماء وعلق رجاءه به { شَيْئاً } أصلاً لا محققاً ولا مظنوناً [كما] كان يراه من قبل فضلاً عن وجدانه ماء، ونصب { شَيْئاً } قيل على الحالية، وأمر الاشتقاق سهل، وقيل على أنه مفعول ثان لوجد بناء على أنها من أخوات ظن، وجوز أن يكون منصوباً على البدلية من الضمير، ويجوز إبدال النكرة من المعرفة بلا نعت إذا كان مفيداً كما صرح به الرضي، واختار أبو البقاء أنه منصوب على المصدرية كأنه قيل لم يجده وجداناً وهو كما ترى.

السابقالتالي
2 3