قوله: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } وهو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإِسلام " وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ " بالتحرير والإِعتاق. قوله: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ " نص بعض النحويين على أن " على " في مثل هذا التركيب اسم قال: لئلا يتعدى فعل المضمر المتصل إلى ضمير المتصل في غير باب " ظَنَّ " وفي لفظتي: فَقَدَ وعَدِمَ وجعل من ذلك:
وقد تقدم ذلك مُشْبَعاً في النَّحل في قوله:{ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ } [النحل: 57]، وفي قوله:{ وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } [مريم: 25] (وقوله):{ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } [القصص: 32]. قوله: " وَتُخْفِي " فيه أوجه: أحدها: أنه معطوف على " تقول " أي وإِذْ تَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِكَ كَذَا وإِخْفَاءِ كَذَا وخَشْيَةِ الناس قاله الزمخشري. الثاني: أنها واو الحال أي تقول كذا في هذه الحالة، قاله الزمخشري أيضاً، وفيه نظر حيث إنه مضارع مثبت فكيف تباشره الواو؟ وتخريجه كتخريج " قُمْتُ وَأَصُكُّ عَيْنَهُ " أعني على إضمار مبتدأ. الثالث: أنه مستأنف قاله الحوفي، وقوله: { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } تقدم مثله في بَرَاءَةَ. فصل قال المفسرون إن الآية نزلت في زَيْنَبَ بنتِ جَحْش، وذلك " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما زوج " زينب " من " زَيْد " مكثَتْ عنده حيناً ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى زيداً ذات يوم لحاجة فأبصر زينب قائمة في دِرْع وخِمَار، وكانت بيضاء وجميلة ذات خُلُق من أتمِّ نساء قريش فوقعت في نفسه، وأعجبه حسنها فقال: سبحان الله مقلِّبَ القلوب وانصرف فلما جاء زيد ذكرت ذلك له، ففطن زيد فألقي في نفس زيد كراهتها في الوقت فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أريدُ أن أفارق صاحبتي قال: ما لك أَرَابَكَ منها شيء قال: لاَ واللَّهِ يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعظم عَلَيَّ لشرفها وتؤذيني بلسانها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوجَكَ يعني زينب بنت جحش واتَّقِ اللَّهِ في أمرها ثم طلَّقَها زيدٌ " فذلك قوله عز وجل: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالإعتاق وهو زيد بن حارثة { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } فيها ولا تفارقها { وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } أي تُسرُّ في نفسك ما الله مظهره أي كان في قلبه لو فارقها تزوجها. وقال ابن عباس: حبها، وقال قتادة: وَدَّ أنه لو طلقها " وَتَخْشَى النَّاسَ " قال ابنُ عباس والحسن: تستحييهم، وقيل: تخاف لائمةَ الناس أن يقولوا أمرَ رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها، " واللَّهُ أَحَقُّ أَن يَخْشَاهُ ".