{ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي: بل مكركم بالليل والنهار، أي: كيدكم وكفركم في تفسير الحسن. وتفسير الكلبي: { بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي: بل قولكم لنا بالليل والنهار { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } أي: أعدالاً، يعني أوثانهم، عدلوها بالله فعبدوها من دونه. قال الله: { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ } في أنفسهم يوم القيامة { لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلاَلَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ } على الاستفهام { إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي: إنهم لا يجزون إلا ما كانوا يعملون. قوله عزّ وجل: { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ } أي: من نبيٍّ ينذرهم عذاب الدنيا وعذاب الآخرة { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } أي: جبابرتها وعظماؤها، في تفسير بعضهم. والمترفون أهل السَّعة والنَّعمة { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } فاتَّبَعَهم على ذلك السفلة فجحدوا كلهم. { وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } قالوا ذلك للأنبياء والمؤمنين، أي: يعيّرونهم بالفقر وبقلّة المال { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }. قال الله: { قُلْ } يا محمد { إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي: يوسّع الرزق لمن يشاء { وَيَقْدِرُ } أي: ويقتّر عليه الرزق. فأما المؤمن فذلك نظر من الله له. قال: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني جماعة المشركين لا يعلمون. قال: { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلآ أَوْلاَدُكُم } يقوله للمشركين { بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى } والزلفى القربة، لقولهم للأنبياء والمؤمنين: نحن أكثر أموالاً وأولاداً منكم. ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم ". قال: { إِلاَّ مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ } في إيمانه { صَالِحاً } [أي: ليس القربة عندنا إلا لمن آمن وعمل صالحاً]. قال: { فَأُوْلَئِكَ } أي: الذين هذه صفتهم { لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ } أي: تضعيف الحسنات. كقوله:{ مَن جَآءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام: 160] ثم أنزل بعد ذلك في المدينة:{ مَّثَلُ الّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } [البقرة: 261] ثم صارت بعد في الأعمال الصالحة كلها، الواحدة بسبعمائة. ذكروا عن الحسن وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لأن أعلم أنه تُقُبِّلَت مني تسبيحة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها. قال بعضهم: بلغني عن سعيد بن جبير أنه قال: من كتب الله له حسنة دخل الجنة، و{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ } [المائدة: 27]. قال تعالى: { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ } أي: في غرفات الجنة { ءَامِنُونَ } أي: آمنون من النار ومن الموت ومن الخروج منها ومن الأحزان ومن الأسقام والأمراض.