الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ }

قوله: { عِزِينَ }: حالٌ من " للذين كفروا " وقيل: حالٌ من الضمير في " مُهْطِعين " ، فتكون حالاً متداخلةً. و " عن اليمين " يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بـ " عِزين " لأنه بمعنى متفرِّقين، قاله أبو البقاء، وأَنْ يتعلَّقُ بمُهْطِعين، أي: مُسْرِعِين عن هاتَيْن الجهتَين، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ، أي: كائنين عن اليمين، قاله أبو البقاء. وعِزِيْن جمعُ " عِزَة " والعِزَةُ: الجماعة، قال مكي: " وإنما جُمِع بالواوِ/ والنونِ لأنه مؤنثٌ لا يَعْقِلُ؛ لكونَ ذلك عِوَضاً مِمَّا حُذِفَ منه. قيل: إنَّ أصلَه عِزْهَة، كما أنَّ أصلَ سَنَةَ سَنْهَة ثم حُذِفَتِ الهاءُ " انتهى. قوله: " لا يَعْقِلُ " سهوٌ لأنَّ الاعتبارَ بالمدلولِ، ومدلولُه بلا شك عقلاءُ.

واختلفوا في لام " عِزَة " على ثلاثةِ أقوالٍ، أحدُها: أنَّها واوٌ مِنْ عَزَوْتُه أَعْزُوْه، أي: نَسَبْتُه؛ وذلك أنَّ المنسوبَ مضمومٌ إلى المنسوبِ إليه، كما أنَّ كلَّ جماعةٍ مضمومٌ بعضُها إلى بعضٍ. الثاني: أنَّها ياءٌ، إذ يُقال: عَزَيْتُه بالياء، أَعْزِيْهِ بمعنى: عَزَوْته، فعلى هذا في لامِها لغتان، الثالث: أنها هاءٌ، ويُجْمَعُ تكسيراً على عِزَىً نحو: كِسْرة وكِسَر، واسْتُغْنِي بهذا التكسيرِ عن جمعِها بالألفِ والتاءِ، فلم يقولوا: عِزات كما لم يقولوا في شَفَة وأَمَة: شِفات ولا إمات استغناءً بشِفاهٍ وإماءٍ، وقد كَثُرَ ورودُه مجموعاً بالواوِ والنون. قال الراعي:
4332ـ أخليفةَ الرحمنِ إنَّ عَشيرتي   أَمسَوْا سَوامُهُمُ عِزِيْنَ فُلُوْلا
وقال الكميت:
4333ـ ونحن وجَنْدَلٌ باغٍ تَرَكْنا   كتائبَ جَنْدَلٍ شَتَّى عِزِيْنا
وقال عنترة:
4334ـ وقِرنٍ قد تَرَكْتُ لِذي وَلِيٍّ   عليه الطيرُ كالعُصَبِ العِزِيْن
وقال آخر:
4335ـ ترانا عنده والليلُ داجٍ   على أبوابِه حِلَقاً عِزِيْنا
وقال آخر:
4336ـ فلما أَنْ أَتَيْنَ على أُضاخٍ   تَرَكْنَ حَصاه أَشْتاتاً عِزينا
والعِزَةُ لغةً: الجماعةُ في تَفْرِقَةً. هذا قولُ أبي عبيدة. وقال الأصمعيُّ: " العِزُون: الأصناف. يقال: في الدار عِزُون، أي: أصناف " وقال غيرُه: الجماعةُ اليسيرةُ كالثلاثةِ والأربعةِ. وقال الراغب: " وقيل: هو مِنْ قولِهم: عَزِيَ عَزاءً فهو عَزٍ إذا صَبَرَ، وتَعَزَّى: تَصَبَّر، فكأنها اسمٌ للجماعة التي يتأسَّى بعضُهم ببعض.