{ إذا قالت امرأة عمران } يعني عمران بن ماثان جدّ عيسى (عليه السلام): { رب إني نذرت لك ما في بطني } أي أسلمت وأخلصت لك ذلك في عبادتك لا أشغله بشيء من خدمتي { محرراً } معتقاً لخدمة بيت المقدس، وكان هذا النوع من النذر مشروعاً عندهم، وروي أنهم كانوا ينذرون هذا النذر، وإذا بلغ الغلام خُيِّر بين أن يفعل أو أن لا يفعل { إني وضعتها } الضمير في وضعتها لما في بطني، وإنما أتت على المعنى لأن ما في معاني بطنها كان أنثى في علم الله تعالى أو على تأويل الحبلة أو النفس أو التسمية { والله أعلم بما وضعت } تعظيم لموضوعها { فتقبلها ربها بقبول حسن } أي رضي بها في النذر مكان الذكر، وروي أنها حين ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأخيار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة، وقالت: دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم وكان بنو ماثان رؤساء بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم، فقال لهم زكريا أنا أحق بها عندي خالتها، قالوا: لا حتى نقترع فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر الأردن، فألقوا فيه اقلامهم، فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسيت أقلامهم، فكفلها زكريا { وأنبتها نباتاً حسناً } مجاز عن التربية الحسنة { وكفلها زكريا } يعني ضمها إليه وجعله كافلاً لها، وقيل: بنى لها (عليه السلام) محراباً في المسجد غُرفة يصعد إليها بسُّلَم، وقيل: المحراب أشرف المجالس ومقدمها كأنه وضعها في أشرف موضع من بيت المقدس، وقيل: كانت مساجدهم تسمى المحاريب، وقيل: كان لا يدخل عليها إلا هو وحده، وكان إذا خرج غلق عليها سبعة أبواب { وجد عندها رزقاً } كان رزقها ينزل عليها من الجنة، ولم ترتضع ثدياً قط، وكان يجد عندها فاكهة الصَّيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، قوله تعالى: { أنى لك هذا } من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو في غير حينه، والأبواب مغلقة عليك { قالت هو من عند الله } فلا تستبعد، قيل: تكلمت وهي صغيرة كما تكلم عيسى وهو في المهد { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } هذا من جملة كلام مريم (عليها السلام) أو من كلام رب العزَّة يعني تقديراً لكثرته أو تفضلاً بغير محاسبة، { هنالك } أي في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم (عليها السلام) في المحراب أي في ذلك الوقت لما رأى من حال مريم في كرامتها على الله ومنزلتها رغب أن يكون له ولدٌ { ذرية } ولداً والذرِّيَّة تقع على الواحد والجمع { سميع الدعاء } أي مجيبُه { فنادته الملائكة } قيل: هو جبريل (عليه السلام) { في المحراب إن الله يبشرّك بيحيى } قيل: سمي يحيى لأنه أحياه الله تعالى بالإِيمان والحكمة والعلم، أو لأنه قتل شهيداً والشهداء أحياء، قوله تعالى: { مصدقاً بكلمة من الله } مصدقاً بعيسى مؤمناً به، وقيل: هو أول من آمن به، وسمي عيسى كلمة لأنه لم يوجد إلا بكلمة الله تعالى وهي قوله: كن من غير سبب آخر، قوله تعالى: { وسيِّداً } السيّد: هو الذي يسود قومه، أي يفوقهم في الشرف، وكان يحيى فائقاً لقومه وللناس كلهم { وحصوراً } الحصور: الذي لا يقرب النساء، من حصر نفسه: منعها من الشهوات، وقيل: الذي لا يدخل في اللعب والباطل.