ثمَّ أشار سبحانه إلى توبيخ المنكرين للنشأة الأخرى، وتقريعهم وتسفيههم بمقتضى عقلهم فقال: { ءَأَنتُمْ } أيها المنكرون المفرطون المسرفون { أَشَدُّ } وأصعب { خَلْقاً } وإيجاداً على سبيل الإعادة { أَمِ ٱلسَّمَآءُ } التي هي أرفع الأبنية وأعلاها، وأشدها نظاماً، وأقواها بنياناً؛ إذ هو سبحانه { بَنَاهَا } [النازعات: 27] بقدرته الكاملة. وأحسن بناءها، حيث { رَفَعَ سَمْكَهَا } وسقفها بلا أعمدة وأسانيد واسطوانات { فَسَوَّاهَا } [النازعات: 28] وعدلها بلا قصور وفتور. وبعدما سوَّاها أدارها على الاستدارة، ورتب على حركاتها الجديدين { وَأَغْطَشَ } أي: أظلم { لَيْلَهَا } الحاصل من حركاتها { وَأَخْرَجَ } أبرز وأظهر { ضُحَاهَا } [النازعات: 29] ضوء شمسها في النهار الحاصل من تلك الحركات. { وَ } بعدما رتبها كذلك خلق { ٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ } أي: بعد خلق السماوات وأعجب في خلقها بأن { دَحَاهَا } [النازعات: 30] مهدها وبسطها لمن يسكن عليها ويستقر فيها. وبعد بسطها كذلك { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا } حيث فجر فيها عيوناً، وأجرى أنهاراً { وَ } إن ظهر عليها أيضاً { مَرْعَاهَا } [النازعات: 31] تقويتاً لمن عليها وما عليها. { وَ } رتب { ٱلْجِبَالَ } الطوال الثقال عليها حتى { أَرْسَاهَا } [النازعات: 32] وأثبتها. وإنما مهدها وبسطها، وأنيت عليها وفجر منها؛ لتكون { مَتَاعاً لَّكُمْ } أي: تمتيعاً لكم عليها { وَلأَنْعَامِكُمْ } [النازعات: 33] أيضاً، فإنها من لواحق معائشكم ومتمماتها. وبعدما فضل عليكم سبحانه بأنواع الخيرات والبركات { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } [النازعات: 34] والداهية العظمى التي هي عبارة عن قيام الساعة الموعودة. { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } [النازعات: 35] حيث يعطى لهم صحائف أعمالهم مفصلة فينظرون فيها، ويتذكرون بها جميع ما صدر عنهم من الأعمال الصالحة والفاسدة فيجازون بمقتضاها. { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ } أي: ظهرت ولاحت { لِمَن يَرَىٰ } [النازعات: 36] أي: لكل من يتأتى منه الرؤية؛ أي: ظهر أمرها، بحيث لا يخفى على أحد.