قوله: { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } نزلت حين لَطَمَ سعد بن الربيع زوجته، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب القِصاص. والمعنى: الرجالُ قائمون، مسيطرون، ومُسلَّطون على تأديب النساء وتهذيبهن بالحق. روى هشام بن محمد عن أبيه في قوله: { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } قال: إذا كانوا رجالاً. وأنشد:
أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسَبينَ امْرَءاً
وَنَارٍ تُوَقَّدُ باللَّيْلِ نَارَا
قوله: { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ } أي: بسبب تفضيل الله { بَعْضَهُمْ } يعني: الرجال { عَلَىٰ بَعْضٍ } يعني: النساء، وذلك بزيادة العقل، والعلم، والفضل، والحزم، والجهاد، وحفظ الذمار، والصلاحية للخلافة، والقضاء، والإمامة، والشهادة. { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ } أي: بما أخرجوا من المهور والنفقات، { فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ } مطيعات لله، { حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ } يعني: ما غاب عنه الأزواج من الفروج والأموال. وفي الحديث: " خيرُ النساء امرأة إن نَظَرْتَ إليها سَرَّتْكَ، وإن أَمَرْتَها أَطَاعَتْكَ، وإذا غِبْتَ عنها حَفِظَتْكَ ". { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } أي: بحفظ الله إياهن حين أوصى الأزواج بهن في كتابه وعلى لسان رسوله، أو بما حفظ الله مهورهن. وقرأت على الشيخين أبي البقاء النحوي وأبي عمرو الياسري لأبي جعفر ابن القعقاع: " بما حفظ اللهَ " بالنصب، على أن " ما " موصولة، أي: حافظات للغيب بالأمر الذي يحفظ حق الله، وأمانة الله، وهو التعفف، والتحصن، والنصيحة للرجال. قوله: { وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } قال ابن عباس: الخوف هاهنا بمعنى العلم، وقيل: بمعنى الظن. والنُّشُوز والنُّشُوص بمعنى واحد، وهو: تَرَفُّعُ المرأة عن طاعة زوجها، مأخوذ من النَّشْزُ؛ وهو ما ارتفع من الأرض. { فَعِظُوهُنَّ } أي: ذكِّروهن بما وجب عليهن لأزواجهن. { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } أي: في الفُرُش، وقيل: في البيوت. فإن قلنا: في الفُرُش، فيكون كناية عن ترك الجِماع، وهو قول سعيد بن جبير ومقاتل. أو يكون أمراً بهجر الفراش والمضاجعة فيه، وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة. وهذان قولان عن ابن عباس. وإن قلنا: في البيوت، فالمعنى: لا تُبايتوهن في البيوت التي يضطجعن فيها. وقيل: " في " للسببية لا للظرفية، فالمعنى: اهجروهن بسبب تخلفهن عن المضاجع إذا دعوتموهن إليها. والأول أشهر وأظهر. قال ابن عباس: تهجرها في المضجع، فإن أقبلتْ وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضرباً غير مُبَرِّح. قوله: { وَٱضْرِبُوهُنَّ } يعني: ضرباً غير شائن، ولا كاسر، ولا مُبَرِّح، لأن المقصود التأديب، لا الإتلاف والتعذيب. قال جماعة من العلماء، منهم الإمام أحمد رضي الله عنه: الآية على الترتيب، فالوعظ عند خوف النشوز، والهجر عند ظهور النشوز، والضرب عند تكرره واللِّجاج فيه، ولا يجوز الضرب عند ابتداء النشوز. وقال الشافعي رضي الله عنه: يجوز. { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } قال ابن عباس: لا تتجنّوا عليهن العلل.