قوله تعالى ذكره: { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } ، إلى قوله: { وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً }. أي: ليس يأتيك يا محمد هؤلاء المشركون بمثل يضربونه لك، ليحتجوا به عليك إلا جئناك من الحق أي: من القرآن بما يُبْطِلُ ما جاءوا به. { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } ، أي: أحسن تفصيلاً. ثم قال: { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ } ، أي: الذين يساقون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم شر مستقراً في الدنيا والآخرة، من أهل الجنة في الجنة، وأضل منهم طريقاً في الدنيا. قال مجاهد: الذي أمشاهم على أرجلهم، قادر أن يمشيهم على وجوههم إلى جهنم. وروى أنس: " أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه [وسلم]،: كيف يا رسول الله: يحشر الكافر على وجهه فقال: الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه ". قال أبو هريرة: يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف. صنف على الدواب، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم. فقيل له: كيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم. وقيل: إن هذا تمثيل. كما تقول: ستمضي على وجهك أي: كارهاً. ثم قال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } ، الآية، أي: آتينا موسى التوراة. كما آتيناك يا محمد القرآن { وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } أي: معيناً وظهيراً { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } يعني فرعون وقومه { فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } أي: أهلكناهم. وفي الكلام حذف والتقدير: فذهبا فكذبوهما، فدمرناهم، فدخول الفاء تدل على هذا الحذف. وقال الفراء: المأمور بالذهاب في المعنى موسى وحده، بمنزلة قوله تعالى:{ فَنَسِيَا حُوتَهُمَا } [الكهف: 61] والناسي يوشع وحده. وبمنزلة{ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [الرحمن: 22] وإنما يخرجان من الملح. وهذا قول مردود لأنه قد كرر في كثير من الآيات إرسال هارون مع موسى إلى فرعون، فلا يحتاج فيه إلى هذا المجاز. والوقف { بِآيَاتِنَا } ، وقرئت { فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } ، على الخبر عن موسى وهارون. وقرئت { فدمِّرانِهم } ، على الأمر لموسى وهارون بتشديد النون، فلا يحتاج في هاتين القراءتين إلى إضمار ولا حذف، وهما قراءتان شاذتان، والوقف على هاتين القراءتين { تَدْمِيراً }. ثم قال تعالى: { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ } ، أي: واذكر قوم نوح. وقيل: هو معطوف على المفعول في { فَدَمَّرْنَاهُمْ }. وقيل: التقدير: وأغرقنا قوم نوح، لما كذبوا الرسل أغرقناهم وهذا حسن. والمعنى: وأغرقنا قوم نوح من قبل قوم فرعون لما كذبوا الرسل { وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً }. وقوله: { لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ } ، قيل: إنهم كذبوا رسلاً قبل نوح فلذلك جمع. وقيل: إن من كذَّب نبياً، فقد كذب جميع الأنبياء. فجمع على المعنى. ثم قال { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ } ، أي: لهم ولمن هو / مثلهم في الظلم والكفر { عَذَاباً أَلِيماً } ، في الآخرة سوى الذي حل بهم في الدنيا.