الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }

هذه الآية الثالثة مما قفى به على النداء الثالث لبني آدم، ووجه وصلها بما قبلها أنه تعالى قد بين في الثانية مجامع المحرمات على بني آدم وهي أصول المفاسد والمضار الشخصية والإجتماعية في إثر إباحة أصول المنافع من الزينة والطيبات النافعة لهم أو إيجابها بشرط عدم الإسراف فيها - وسبق هذه أو تلك ما قفى به على النداء الثاني من بيان أصل الأصول لما أمر الله تعالى به عباده على ألسنة رسله وهو القسط والعدل في الآداب والأعمال، وعبادة الله وحده بالإخلاص له في الدين، وعقيدة البعث - ولما وصل ما هنالك بقسم الناس إلى فريقين مهتدين وضالين - وصل ما هنا ببيان عاقبة الأمم في قبول هذه الأصول أو ردها، والإستقامة على طريقتها بعد القبول أو الزيغ عنها، فقال عز وجل:

{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } هذا معطوف على مقول القول في الآية السابقة أي قل أيها الرسولإِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ } [الأعراف: 33] إلخ دون ما حرمتم من النعم والمنافع بأهوائكم وجهالاتكم - وقل: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي أمد مضروب لحياتها، مقدر فيما وضع الخالق سبحانه من السنن لوجودها، وهو على نوعين أحدهما أجل من يبعث الله فيهم رسلاً لهدايتهم فيردون دعوتهم كبراً وعناداً في الجحود، ويقترحون عليهم الآيات فيعطونها مع إنذارهم بالهلاك إذا لم يؤمنوا بها فيكذبون فيهلكون، وبهذا هلك أقوام نوح وعاد وثمود وفرعون وإخوان لوط وغيرهم.

وهذا النوع من الهلاك كان خاصاً بأقوام الرسل أولي الدعوة الخاصة لأقوامهم، وقد انتهى ببعثة صاحب الدعوة العامة خاتم النبيين المخاطب بقوله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107] لكن انتهاءه عند الله لا يمنع جعله إنذاراً لقومه خاصة بهلاكهم، إن أعطوا ما اقترحوه من الآيات إرضاء لعنادهم، ليعلم أهل البصيرة بعد ذلك أن منعهم إياه إنما كان رحمة بهم وبغيرهم.

وقد مضت سنة الله في الأمم أن الجاحدين الذين يقترحون الآيات لا يؤمنون بها، ولأجل هذا لم يعط الله تعالى رسوله شيئاً مما كانوا يقترحونه عليه منها، كما تقدم بيانه في سورة الأنعام وتفسيرها وهذا الأجل لم يكن يعلمه أحد إلا بعد أن يبينه تعالى على ألسنة الرسل.

والنوع الثاني الأجل المقدر لحياة الأمم سعيدة عزيزة بالإستقلال، التي تنتهي بالشقاء والمهانة أو الإستعباد والإستذلال، إن لم تنته بالفناء والزوال، وهذا النوع منوط بسنن الله تعالى في الإجتماع البشري والعمران، وأسبابه محصورة في مخالفة هدي الآيات التي قبل هذه الآية، بالإسراف في الزينة والتمتع بالطيبات، وباقتراف الفواحش والآثام والبغي على الناس، وبخرافات الشرك والوثنية التي ما أنزل بها من سلطان، وبالكذب على الله بإرهاق الأمة بما لم يشرعه لها من الأحكام، تحكماً من رؤساء الدين عن تقليد أو إجتهاد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7