الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ }

قوله تعالى: { مِّن قَبْلِكَ }: متعلَّقٌ بـ " كَذَّبَتْ " ومنع أبو البقاء أن يكون صفةً لرسل لأنه زمانٌ، والزمان لا يُوصف به الجثث، وقد تقدَّم البحث في ذلك غيرَ مرةٍ وأَتْقَنْتُه في البقرة وذكرته قريباً هنا في قوله:وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً } [الأنعام: 6].

قوله: { وَأُوذُواْ } يجوز/ فيه أربعة أوجه أظهرها: أنه عطفٌ على قوله " كُذِّبَتْ " أي: كُذِّبَت الرسلُ وأُوْذُوا فصبروا على كل ذلك. والثاني: أنه معطوفٌ على " صَبَروا " أي: فصبروا وأُوْذُوا. والثالث: - وهو بعيدٌ- أن يكونَ معطوفاً على " كُذِّبوا " فيكون داخلاً في صلة الحرف المصدري والتقدير: فصَبروا على تكذيبهم وإيذائهم. والرابع: أن يكون مستأنفاً قال أبو البقاء: " ويجوز أن يكون القف تَمَّ على قوله " كُذِّبوا " ثم استأنف فقال: " أُوْذوا ".

وقرأ الجمهور: { وأُوْذُوا } بواو بعدَ الهمزةِ من آذى يؤذي رباعياً. وقرأ ابن عامر في روايةٍ شاذةٍ: " وأُذوا " من غير واو بعد الهمزة، وهو من أَذَيْتُ الرجل ثلاثياً لا من " آذيت " رباعياً.

قوله: { حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } الظاهر أن هذه الغايةَ متعلقةٌ بقوله: " فصبروا " أي: كان غايةُ صبرهم نَصْرَ الله إياهم، وإن جَعَلْنا " وأوذوا " عطفاً عليه كانت غايةً لهما، وهو واضح جداً. وإن جعلناه مستأنفاً كانت غايةً له فقط، وإن جَعَلْناه معطوفاً على " كُذِّبَتْ " فتكون الغاية للثلاثة. والنصر مضافٌ لفاعله ومفعوله محذوف، أي: نَصْرُنا إياهم. وفيه التفاتٌ من ضمير الغيبة إلى التكلُّم، إذ قلبه " بآيات الله " فلو جاء على ذلك لقيل: نَصْرُه. وفائدةُ الالتفات إسناد النصر إلى ضمير المتكلم المُشْعر بالعظمة.

قوله: { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } في فاعل " جاء " وجهان، أحدهما: هو مضمر، واختلفوا فيما يعود عليه هذا الضمير، فقال ابن عطية: " الصواب عندي أن يقدر: " جَلاء، و بيان ". وقال الرماني: " تقديره: ولقد جاءك نبأ " وقال الشيخ: " الذي يظهر لي أنه يعود على ما دل عليه المعنى من الجملة السابقة، أي: ولقد جاءك هذا الخبرُ من تكذيبِ أَتْباع الرسل للرسل والصبر والإِيذاء إلى أن نُصِروا ". وعلى هذه الأقوال يكون " من نبأ المرسلين " في محل نصب على الحال من ذلك الضمير، وعاملها هو " جاء " لأنه عاملٌ في صاحبها. والثاني: أنَّ " من نبأ " هو الفاعل، ذكره الفارسي، وهذا إنما يتمشَّى له على رأي الأخفش؛ لأنه لا يَشْترط في زيادتها شيئاً وهذا - كما رأيت - كلامٌ موجَبْ، والمجرور بـ " مِنْ " معرفة. وضُعِّفَ أيضاً من جهة المعنى بأنه لم يَجِئْه كلُّ نبأ للمرسلين لقوله:

السابقالتالي
2