وقوله سبحانه: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ... } الآية: نَهْيٌ عن الوأْدِ الذي كانت العرب تفعله، «والإِملاق». الفقر وعَدَم المال، وروى أبو داود عن ابن عباس، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَلمْ يَئِدْهَا، ولَمْ يُهِنْهَا، وَلَمْ يُؤثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا - قال: يَعْني الذُّكُورَ - أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنة " انتهى. والحق الذي تُقْتَلُ به النفس: قد فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " لاَ يُحِلُّ دَمَ المُسْلِمِ إلاَّ إحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ: كُفْرُ بَعْدَ إِيمَانٍ، أو زناً بَعْدَ إِحْصَانٍ، أوْ قَتْلُ نَفْسٍ " أي: وما في هذا المعنى مِنْ حرابةٍ أو زندقةً ونحو ذلك. { وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا } أي: بغير الوجوه المذكورة، { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَـٰناً } ، ولا مدخل للنساء في ولاية الدَّمِ؛ عند جماعة من العلماءِ، ولهنَّ ذلك عند آخرين، «والسلطان»: الحجة والملك الذي جُعِلَ إِليه من التخيير في قبول الدية أو العفو؛ قاله ابن عبَّاس. قال البخاريُّ: قال ابن عباس: كلُّ سلطانٍ في القرآن فهو حُجَّة. انتهى، وقال قتادةُ: «السلطان» القود. وقوله سبحانه: { فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ } المعنى: فلا يَتَعَدَّ الوليُّ أمْرَ اللَّه بأنْ يقتل غير قاتِلِ وليِّه، أو يقتل ٱثنَيْن بواحدٍ إلى غير ذلك من وجوه التعدِّي، وقرأ حمزة والكسائيُّ، وابن عامر: «فَلاَ تُسْرِفْ» - بالتاء من فوق -، قال الطبري: على الخطاب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده. قال * ع *: ويصحَّ أنْ يراد به الوليُّ، أي: فلا تسرفْ أيُّها الولي، والضميرُ في «إِنه» عائدٌ على «الوليِّ»، وقيل: على المقتول، وفي قراءة أبي بن كعب: «فَلاَ تُسْرُفوا في القِتَال إِنَّ وليَّ المَقْتُول كانَ مَنْصُوراً»، وباقي الآية تقدَّم بيانه، قال الحسن: { القِسْطَاسِ } هو القَبَّان، وهو القرسطون، وقيل: { القِسْطَاسِ }: هو الميزانُ، صغيراً كان أو كبيراً. قال * ع *: وسمعت أبي رحمه الله تعالى يَقُولُ: رأيْتُ الواعِظَ أبا الفضْلِ الجَوْهَرِيَّ رحمه الله في جامعِ عمرو بن العاص يعظُ النَّاسَ في الوزْن، فقال في جملة كلامه: إِن في هيئة اليَدِ بالميزانِ عِظَةً، وذلك أنَّ الأصابعَ يجيءُ منها صُوَرةُ المكتوبة ألف ولامَانِ وهاء، فكأنَّ الميزان يقولُ: اللَّه، اللَّه. قال * ع *: وهذا وعظٌ جميلٌ، «والتأويل»، في هذه الآية المآلُ؛ قاله قتادة، ويحتمل أنْ يكون التأويلُ مصدر تأولَّ، أي: يتأول عليكم الخَيْر في جميع أموركم، إِذا أحسنتم الكيلَ والوَزْن. وقال * ص *: { تَأْوِيلاً } أي: عاقبةً انتهى.