الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ }

قوله تعالى: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } " قد " هنا حرف تَحْقِيقٍ.

وقال الزمخشري والتبريزي: " قد نعلم " بمعنى رُبَّمَا التي تجيء لزيادة الفِعْلِ وكثرته، نحو قوله: [الطويل]
2148-..................   [وَلَكِنَّهُ] قَدْ يُهْلِكُ المَالَ نَائِلُهْ
قال أبو حيَّان: وهذا القول غَيْرُ مَشْهورٍ للنحاة، وإن قال به بعضهم مُسْتَدِلاً بقول [القائل]: [البسيط]
2149- قَدْ أتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرًّا أنَامِلُهُ   كَأنَّ أثْوَابَهُ مُجَّتُ بِفِرْصَادِ
وقال الآخر في ذلك: [الطويل]
2150- أخِي ثِقَةٍ لا تُتْلِفُ الخَمْرُ مَالَهُ   ولَكنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ المَالَ نَائِلُهْ
والذي يظهر أن التكثير لا يفهم من " قد " ، وإنما فهم من سياق الكلام؛ إذ التمدُّح بقتل قرن واحد غيرُ طائل، وعلى تقدير ذلك فو متعذّر في الآية؛ لآن علمه - تبارك وتعالى - لا يَقْبَلُ التكثير.

قال شهابُ الدين: قَدْ يُجَابُ عنه بأن التكثير في متعلِّقات العِلْمِ لا في العِلْمِ، [ثم قال]: وقوله بمعنى " رُبَّمَا " التي تجيء لزيادة الفعل وكثرته المشهور أنَّ " رُبَّ " للتقليل لا للتَّكْثير، وزيادةُ " ما " عليها لا يخرجها عن ذلك بل هي مُهيِّئَةٌ لدخولها على الفعِل، و " ما " المهيِّئةُ لا تزيل الكَلِمَة عن معناها الأصلي، كما لا تزيل " لَعَلَّ " ، عن الترجي، ولا " كأنَّ " عن التشبيه، ولا " ليت " عن التمني.

وقال ابن مالك: " قد " كـ " رُبَّمَا " في التقليل والصَّرْفِ إلى معنى المضيّ، وتكون في حينئذٍ للتَّحقيق والتوكيد، نحو { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ } [الأنعام: 33]وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ } [الصف:5].

وقوله: [الطويل]
2151- وَقَدْ تُدْرِكُ الإنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ   وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الأرْضِ سَبْعِينَ وَادِيَا
وقد تخلو من التَّقلِيل، وهي صَارِفَةٌ لمعنى المُضِيَّ، نحو قوله:قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ } [البقرة:144].

وقال مكي: و " قد " هنا وشبهه تأتي لتأكيد الشيء، وإيجابه، وتصديقه، و " نَعْلَمُ " بمعنى عَلِمْنَا.

وقد تقدم الكلام في هذه الحروف وأنها مُتَردِّدَةٌ بين الحَرْفيَّةِ والاسميَّةِ.

وقال أبو حيَّان: هُنَا " قَدْ " حرف تَوَقُّع إذا دخلت على مُسْتَقْبَلِ الزمان كان التوقُّعُ من المتكلّم؛ كقولك: قد ينزل المَطَرُ شَهْر كذا، وإذا كان مَاضِياً أو فِعْلَ حَالٍ بِمَعْنَى المضيّ كان التوقع عند السَّامِعِ.

وأمَّا المتكلِّم فهو مُوجب ما أخبر به، وعبَّر هنا بالمُضَارع إذ المُرَادُ الاتِّصَافُ بالعِلْمِ واسْتِمْرَارُهُ، ولم يُلْحَظْ فيه الزمانُ كقولهم: " هو يُعْطِي ويَمْنَعُ ".

" ليحزنك " سَادٌّ مَسَدّ المفعولين، فإنها معلِّقَةٌ عن العمَلِ، وكُسِرَتْ لدخول " اللام " في حَيِّزِهَا، وتقدَّمَ الكلامُ في " ليحزنك " ، وأنه قُرِئَ بفتح الياءِ وضَمِّهَا من " حَزَنَهُ " و " أحْزَنَهُ " في آل عمران.

السابقالتالي
2 3