الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

هكذا تكون الحياة بالنسبة لمن يقف عند وصفها على أساس أنها " الحياة الدنيا " إنها لا تزيد على كونها لهواً ولعباً. واللعب - كما نعلم - هو مزاولة حدث ونقضه في آن واحد، والمثال على ذلك الطفل على شاطئ البحر قد يقيم بيتاً من الرمال ثم يهدمه، إنه لم يقم ببناء بيت من الرمال إلا ليهدمه. واللعب عملية يُقصد بها قتل وقت في عمل قد يُنقض، فالبناء والنقض في هذه الحالة لعب ولا يشغل اللعبُ الإنسان عن الواجب. أما اللهو فهو قتل الوقت في عمل قد ينقض ويشغل الإنسان عن الواجب أيضاً. والطفل الصغير - على سبيل المثال - يتلقى من والديه بعض اللعب ليقضي وقته معها وقد يخربها ويهدمها وقد يعيد بناءها. ولعب الطفل هو لهو في الوقت نفسه لأن الطفل غير مكلف بواجب. وما إن يدخل إلى المدرسة وتصير له بعض من المسئوليات نجد الأسرة تعلمه أن يفرق بين وقت أداء مسئولياته ووقت اللعب لأنه إن لعب في وقت أداء المسئوليات صار لعبه لهواً لأنه شَغَله عن أداء مسئولية مطلوبة منه. وكذلك الحياة الدنيا مجردة من منهج الله الذي خلقها وخلق الإنسان فيها هي لهو ولعب، إما إن أخذ الإنسان الحياة بمواصفات من خلقها فهي حياة منتجة للخير في الدنيا وفي الآخرة. والذي خلق الحياة الدنيا جعلها بالنسبة لنا مزرعة للأخرة. والمؤمن - إذن - له حياتان: حياة صلاح في الدنيا، وحياة نعيم في الآخرة لأنه يعيش الحياة الدنيا على مراد من خلقه. ومن العجيب أن من خلقنا لم يكلفنا إلا بعد أن يصل الإنسان منا إلى البلوغ، أي أن يكون الإنسان صالحاً لإنجاب إنسان مثله إن تزوج. ويأتي التكليف متناسباً مع النضج وعند تمام العقل. وسمح الحق لنا أن نلعب في سنوات ما قبل النضج، ولكن لا بد أن يكون مثل هذا اللعب تحت إشراف من الكبار حتى يمكن للعب أن يتحول إلى دُرْبة تفيدنا في مجالات الحياة، ويجعلنا نعرف كيف وصلنا في العصر الحديث إلى درجة من التقدم في صناعة اللعب التي يتعلم منها الطفل، ويمكن أن يقوم بتفكيكها وإعادة تركيبها، وحتى الكبار نجدهم في زماننا يتعلمون قيادة السيارات في حجرات مغلقة وأمامهم شاشة تليفزيون، وكأنهم في طريق حقيقي وفي شارع مزدحم بالسيارات، ومن يتقن هذا التدريب العملي يخرج إلى قيادة السيارة. وهكذا نجد أن التدريب مفيد للإنسان، يعلم الصغار اللعب الذي ينفعهم عندما يكبرون، وكذلك يفيد التدريب الكبار أيضاً. وعندما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعلم أبناءنا ركوب الخيل والسباحة والرماية، كانت الخيل - في زمن الرسالة - هي إحدى الأسلحة المهمة ليركبها الداعون إلى الله المجاهدون في سبيله.

السابقالتالي
2 3 4