الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ وما الحياة الدنيا } على حذف المضاف اى ما اعمال الدنيا اى الاعمال المتعلقة بها من حيث هى هى { إلا لعب ولهو } يلهى الناس ويشغلهم بمنفعته الزائلة عن الايمان والعمل الصالح المؤدى الى اللذة الدائمة واللعب عما يشغل النفس وينفرها عما تنتفع به واللهو صرفها عن الجد الى الهزل { وللدار الآخرة } التى هى محل الحياة الاخرى { خير للذين يتقون } الكفر والمعاصى لان منافعها خالصة عن المضار ولذاتها غير منغصة بالآلام مستمرة على الدوام { أفلا تعقلون } الفاء للعطف على مقدر اى أتغفلون فلا تعقلون اى الامرين خير. وسميت الدنيا بالدنيا لدنوها قبل الآخرة او لدناءتها. وسميت الآخرة بالآخر لتأخرها عن خلقها وانما جعل الله الآخرة غائبة عن الابصار لانها لو كانت حاضرة لما جحدوها ولارتفعت التكاليف والمحن فجعل ما على الارض زينة للابتلاء وحقيقة الدنيا ما يشغلك عن ربك. قال اهل التحقيق السموات والارضون وما فيهما من عالم الكون والفساد يدخل فى حد الدنيا. واما العرش والكرسى وما يتعلق بهما من العمال الصالحة والارواح الطيبة والجنة وما فيها فمن حد الآخرة وفى الخبر القدسى لما خلق الله الدنيا خاطبها بقوله " يا دنيا اخدمى من خدمنى واتعبى من خدمك " ولهذا كانت الدنيا تجيئ لبعض اوليائه وتكنس داره فى صورة العجوز ولبعض اوليائه تجيئ كل يوم برغيف. فان قلت ان الله تعالى خلق هذه الدنيا للمؤمن فلم امر بالزهد فيها. قلت السكر اذا نثر على رأس الختن لا يلتقطه لعلو همته ولو التقطه لكان عيبا وفى الحديث " جوعوا انفسكم لوليمة الفردوس " والضيف اذا كان حكيما لا يشبع من الطعام رجاء الحلواء ـ حكى ـ ان قاضيا من اهل بغداد كان مارا بزقاق كلخان مع خدمه وحشمه كالوزير فطلع الكلخائى وهو يهودى فى صورة جهنمى كأن القطران يقطر من جوانبه فأخذ بلجام بغلة القاضى فقال ايد الله القاضى ما معنى قول نبيكم " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " أما ترى ان الدنيا جنة لك وانت مؤمن محمدى والدنيا سجن لى وانا كافر يهودى والحديث دلالته بالعكس فاجاب القاضى وكان من فضلاء الدنيا وما ترى من زينتها وحشمتها سجن لى بالنسبة الى ما وعد الله فى الجنة وجنة لك بالنسبة الى الدركات المعودة فى النيران. قيل مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له امرأتان ان ارضى احداهما اسخط الاخرى. واحتضر عابد فقال ما تأسفى على دار الآخرة والغموم والخطايا والذنوب وانما تأسفى على ليلة نمتها ويوم افطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر الله تعالى
ته عمر خضر بماند نه ملك اسكندر نزاع برسر دنياى دون مكن درويش   
فالدنيا لا تبقى والآخرة خير وابقى ـ يحكى ـ ان جعفر بن سليمان رحمه الله قال مررت انا ومالك ابن دينار رضى الله عنه بالبصرة فبينما ندور فيها مررنا بقصر يعمر واذا بشاب حسن يأمر ببناء القصر ويقول افعلوا واصنعوا فدخلنا عليه وسلمنا فرد السلام قال مالك كم نويت ان تنفق على هذا القصر قال مائة الف درهم قال ألا تعطينى هذا المال فاضعه فى حقه واضمن لك على الله تعالى قصرا خيرا من هذا القصر بولدانه وخدمه وقبابه وخيمه من ياقوتة حمراء مرصع بالجوهر ترابه الزعفران ملاطه المسك لم تمسه يدان ولم يبينه بان قال له الجليل سبحانه كن فكان فاثر فى الشاب كلامه فاحضر البدر ودعا بدواة وقرطاس ثم كتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ضمن مالك بن دينار لفلان بن فلان انى ضمنت لك على الله قصرا بدل قصرك صفته كما وصفت والزيادة على الله واشتريت لك بهذا المال قصرا فى الجنة افسح من قصرك فى ظل ظليل بقرب العزيز الجليل ثم طوى الكتاب ودفعه الى الشاب وانفق ما اخذه من المال على الفقراء وما اتى على الشاب اربعون ليلة حتى مات ووصى ان يجعل الكتاب بين كفنه وبدنه ووجد مالك ليلة وفاته كتابا موضوعا فى المحراب فاخذه ونشره فاذا هو مكتوب بلا مداد هذه براءة من الله العزيز الحكيم مالك بن دينار وفينا الشاب القصر الذى ضمنته له وزيادة سبعين ضعفا وفى المثنوى

السابقالتالي
2 3