{ هوالذي يريكم } آيات صفاته بتجلياته { وينزل لكم } من سماء الروح { رزقاً } حقيقياً ما أعظمه وهو العلم الذي يحيا به القلب ويتقوى { وما يتذكّر } أحواله السابقة بذلك الرزق { إلاّ من ينيب } إليه بالتجرّد وقطع النظر عن الغير فأنيبوا إليه لتتذكروا بتخصيص العبادة به وإخلاص الدين عن شوب الغيرية وتجريد الفطرة عن النشأة ولو أنكر المحجوبون وكرهوا. { رفيع الدرجات } أي: رفيع درجات غيوبه ومصاعد سمواته من المقامات التي يعرج فيها السالكون إليه { ذو العرش } أي: المقام الأرفع المالك للأشياء كلها { يلقي الروح } أي: الوحي والعلم اللدني الذي تحيا به القلوب الميتة { من } عالم { أمره على من يشاء من عباده } الخاصة به أهل العناية الأزلية { لينذر يوم } القيامة الكبرى الذي يتلاقى فيه العبد والربّ بفنائه فيه أو العباد في عين الجمع. { يوم هم بارزون } عن حجاب الأنيات أو غواشي الأبدان { لا يخفى على الله منهم شيء } مما ستروا من أعمالهم واستخفوا بها من الناس توهماً أنه لا يطلع عليهم لظهورها في صحائفهم وبروزها من الكمون إلى الظهور، كما قال:{ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة، الآية:6]، وقالوا:{ مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [الكهف، الآية:49]، ولا يخفى عليه منهم شيء لبروزهم عن حجب الاوصاف إلى عين الذات. { لمن الملك اليوم } ينادي به الحق سبحانه عند فناء الكل في عين الجمع فيجيب هو وحده { لله الواحد } الذي لا شيء سواه { القهار } الذي أفنى الكل بقهره { إنّ الله سريع الحساب } لوقوعه دفعة باقتضاء سيئاتهم المكتوبة في صحائف نفوسهم تبعاتها وحسناتها ثمراتها { وأنذرهم يوم الأزفة } أي: الواقعة القريبة وهي القيامة الصغرى { إذ القلوب لدى الحناجر } لشدّة الخوف. { كذلك يضلّ الله من هو مسرف مرتاب } كقوله:{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } [غافر، الآية:28] أي: الإضلال والخذلان كل واحد منهما مرتب على الرذيلتين العلمية والعملية. فإن الكذب والارتياب كلاهما من باب رذيلة القوة النطقية لعدم اليقين والصدق والإسراف عن رذيلة القوتين الأخريين والإفراط في أعمالها.