قوله تعالى: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } أي: موضع فوز، أو فوزاً وظفراً بإدراك البغية. قال ابن عباس: مفازاً: متنزهاً. وقال قتادة: فازوا بأن نجوا من النار بالجنة، ومن العذاب بالرحمة. ثم فسّر ذلك الفوز فقال: { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } قال ابن قتيبة: الحدائق: بساتين النخل، واحدها: حديقة. وقال غيره: البساتين فيها أنواع الشجر المثمر. { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } قال ابن عباس: الكواعب: النّواهد. وقال الضحاك: العذارى. قال ابن فارس: يقال: كَعَبَتِ المرأة كَعَابَةً، وهي كَاعِبٌ؛ إذا نَتَأ ثَدْيُها. والأتراب: اللِّدَات. وقد سبق ذلك. { وَكَأْساً دِهَاقاً } قال الحسن وقتادة وابن زيد: " دهاقاً ": مملوءة. وقال سعيد بن جبير: متتابعة، ومنه قول الشاعر:
دُونَكَها مُتْرَعَةً دِهَاقَا
.....................
وعن ابن عباس ومجاهد كالقولين. قال ابن عباس: سمعتُ أبي في الجاهلية يقول: أسقنا كأساً دهاقاً. وقال عكرمة: صافية. وعليه أنشدوا:
لأنْتَ إلى الفؤادِ أحبُّ قُوتاً
من الصَّادي إلى كأسٍ [دِهَاقِ]
قوله تعالى: { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا } أي: في الجنة { لَغْواً } باطلاً من الكلام { وَلاَ كِذَّاباً } تكذيباً، أي: لا يكذّب بعضهم بعضاً، على ما هو المتعارف من شاربي خمر الدنيا. وقرأ الكسائي: " كِذَاباً " بالتخفيف، مصدر: كَذَبَ، كما أن الكتاب مصدر: كَتَبَ، وإنما شُدِّدَ الموضع الأول؛ لقوله: { وَكَذَّبُواْ }. قوله تعالى: { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } قال الزجاج: " جَزَاءً " منصوب بمعنى: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } [النبأ: 31]؛ لأن معنى أعطاهم وجازاهم واحد. قال الزمخشري: و " عَطَاءً " نصب بـ " جزاء " نصب المفعول به. أي: جزاهم عطاءً. و " حساباً " صفة بمعنى: كافياً، من أحْسَبَه الشيء؛ إذا كفاه حتى قال: حسبي. وقيل: على حسب أعمالهم. قال الكلبي: حاسَبَهُم فأعطاهم بالحسنة عشراً. قرأ الحرميان وأبو عمرو: { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } برفع الباء. وقرأ الباقون بالخفض. وقرأ عاصم وابن عامر: بالخفض، ورفعه الباقون. فمن رفع الاسمين قطع الكلام مما قبله، فـ " ربُّ " مبتدأ و " الرحمن " خبره، ثم استأنف { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً }. ومن خفض الاسمين أتبعهما المخفوض قبلهما، وهو قوله: " من ربك " على البدل. ومن رفع " الرحمن " جعله مبتدأ، والخبر ما بعده، أو على معنى: هو الرحمن. والضمير في قوله: " لا يملكون ": لأهل السموات والأرض. قال مقاتل: لا يَقْدِرُ الخلقُ أن يُكلموا الربّ إلا بإذنه.