قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ } أي ليسمون كل واحد من الملائكة بنتاً؛ لقولهم: الملائكة بنات الله. { وَمَا لَهُم بِهِ } أي: بذلك، أو بقولهم. وقرأ أبيّ: " بها ". { مِنْ عِلْمٍ } أي: بالتسمية أو بالملائكة. { وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } أي: لا يقوم مقام العلم الموصل إلى إدراك حقيقة الشيء. قوله تعالى: { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } منسوخ عند عامة المفسرين بآية السيف. { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } قال الزجاج: إنما يعلمون ما يحتاجون إليه في معايشهم، وقد نبذوا أمر الآخرة. قال الفراء: صَغَّرَ رأيهم وأزرى بهم، يقول: ذلك قدْر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة. { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } وسيجازيهم على ضلالهم واهتدائهم. وقيل: هو تسكينٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان شديدَ الحرص على إيمانهم. المعنى: خفض على نفسك، فإن ربك قد فرغ منهم، وعَلِمَ الضال من المهتدي، وليس عليك إلا البلاغ. قوله تعالى: { لِيَجْزِيَ } متعلق بقوله: { هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ }؛ لأن نتيجة العلم بالضال والمهتدي: جزاؤهما، [وما] بينهما اعتراض. ويجوز أن يكون متعلقاً بقوله: { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } على معنى: له ما فيهما مُلْكاً وخلْقاً، خَلَقَهم ليجزيهم بالعقوبة والمثوبة. والحسنى: الجنة، و " الكبائر " مذكورة في سورة النساء. وقرأ حمزة والكسائي: " كبير الإثم ". قيل: هو النوع الكبير منه، وهو الإشراك بالله. والفواحش: ما فَحُشَ من الكبائر، كأنه قال: ويجتنبون الفواحش منها خاصة. وقد سبق ذكرها فيما مضى. { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } قال ابن مسعود وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة والشعبي ومسروق وعامة المفسرين: هو صغار الذنوب؛ كالنَّظْرة والقُبْلَة، وما كان دون الزنا. وإلى هذا نظر وضاح اليمن في قوله:
فما نَوَّلَتْ حتى تَضَرَّعْتُ حولَها
وأقرأتُها ما رخَّص الله في اللمم
ويؤيد هذا المعنى: ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله كتب على ابن آدم حظَّه من الزنا، فزنا العينين: النظر، وزنا اللسان: النطق، والنفس تشتهي وتتمنى، ويصدق ذلك ويكذبه الفرج " فإن تقدم بفرجه كان الزنا، وإلا فهو اللمم. هذا حديث صحيح. وقال سعيد بن المسيب: هو ما ألمَّ بالقلب، أي: خَطَرَ. وقال ابن عباس في رواية عطاء: هو الرجل يُلِمُّ بالفاحشة، ثم يتوب. وروى عمرو بن دينار عن عطاء، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنْ تغفر اللهم تغفرْ جماً، وأيُّ عبدٍ لكَ لا ألمّا " أخرجه الترمذي. قال الزمخشري: ولا يخلو قوله: " إلا اللمم " من أن يكون استثناء منقطعاً أو صفة، كقوله: