الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

قوله: [ { مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ } ] فيه وجهان:

أظهرهما: أنه متعلِّق بـ " كَتَبْنَا " وذلك إشارةٌ إلى القَتْل، و " الأجْل " في الأصْل هو: الجناية، يقال: " أجَل الأمْر يأجل [إجْلاً] وأجْلاً وإجْلاَء، وأجْلاَء " بفتح الهمزة وكسْرِها إذا جَنَاهُ وحْدَه، مثل: أخَذَ يَأخُذُ أخْذاً.

ومنه قول زُهَيْرٍ: [الطويل]
1954- وَأهْلِ خِبَاءٍ صالحٍ ذَاتُ بَيْنهمْ   قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أنَا آجِلُهْ
أي: جَانِيه.

ومعنى قول النَّاس " فَعَلْتُه من أجْلِك ولأجلك " أي: بِسببك، يعني: مِنْ أنْ جَنَيْتَ فِعْلَه وَأوْجَبْته، وكذلك قولهم: " فَعَلْتُه مِنْ جَرَّائك " ، أصْلُهُ من أن جَرَرْتَهُ، ثم صار يستعمل بمعنى السَّبَب.

ومنه الحديث " مِن جَرَّاي " أي: من أجْلِي.

و " من " لابتداء الغاية، أي: نَشَأ الكَتْبُ، وابتدى من جناية القَتْلِ.

ويجُوزُ حَذْفُ " مِنْ " واللاَّم وانتصاب " أجْل " على المَفْعُول له إذا استكمل الشُّروط له. قال: [الرمل]
1955- أجْلَ أنَّ اللَّهَ قَدْ فَضَّلَكُمْ   ..................
والثاني: أجَازَ بعض النَّاس أن يكون مُتعلِّقاً بقوله: " من النَّادمين " أي: ندم من أجْلِ ذلك، أي: قَتْلِهِ أخاه قال أبو البقاء: ولا تتعلَّقُ بـ " النَّادمين "؛ لأنَّه لا يحسن الابتداء بـ " كَتَبْنَا " هنا، وهذا الردُّ غير وَاضِح، وأين عَدَمُ الحُسْنِ [بالابتداء] بِذَلك؛ ابتدأ الله - تعالى - إخْبَاراً بأنَّه كتب ذلك، والإخْبَار مُتعلِّق بقصة ابْنَيْ آدم إلا أنَّ الظَّاهر خلافه كما تقدَّم.

[والجمهور على فتح همزة " أجل " ، وقرأ أبو جعفر بكسرها، وهي لغة كما تقدم] ورُوي عنه حذفُ الهمزة، وإلقاءُ حركتها وهي الكسرة على نون " مِنْ " ، كما يَنْقِل وَرْش فتحتها إليها، والهاء في " أنَّه " ضمير الأمْر والشَّأن، و " منْ " شرطيَّة مبتدأة، وهِيَ وخَبَرُها في مَحَلِّ رفعٍ خبراً لـ " أن " ، فإن قيل: قوله { مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ } أي: من أجْل ما مَرَّ من قصَّة قَابِيل وهَابِيل كَتَبْنَا على بَنِي إسْرَائيل القصاص وذلك مُشْكِلٌ، لأنه لا مُنَاسَبَة بين واقِعَة قَابِيل وهَابِيل، وبين وُجُوب القِصَاص على بَنِي إسْرائيل.

فالجواب من وجهين:

أحدهما: ما تقدَّم نَقْلُهُ عن الحسن، والضَّحَّاك: أنَّ هذا القَتْل إنما وقع في بَنِي إسْرَائيل، لا بَيْنَ ولديْ آدم لصُلْبِه.

الثاني: أن " مِنْ " في قوله { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ } ليس إشارة إلى قصَّة قَابِيل وهَابِيل بَلْ هُو إشَارَةٌ إلى ما ذكر في القِصَّة من أنْوَاع المَفَاسِدِ الحاصلة بِسَبَب القتل المحرَّم، كقوله { فأصْبَح من الخَاسِرين } ، و { أصْبَح من النَّادِمين } ، فقوله " أصبح من الخَاسِرِين " إشارةٌ إلى أنه حَصَل في قلبه أنْوَاع النَّدم والحسرة والحُزْن، مع أنَّه لا دَافِع لذلك ألْبَتَّة.

السابقالتالي
2 3 4