الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

بعد أن ذكر الحق سبحانه بعض الآيات الكونية البعيدة عنا أراد سبحانه أنْ يعطينا نموذجاً آخر للآيات التي بيْن أيدينا في الأرض فقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَةِ ٱللَّهِ.. } [لقمان: 31] ألم تر: يعني ألم تعلم { أَنَّ ٱلْفُلْكَ.. } [لقمان: 31] أي: السفن. وربما أن سيدنا رسول الله لم يَرَ هذه السفن في البحار، ولم تكن قد ظهرت السفن العملاقة التي نراها اليوم كالأعلام، كما في قوله سبحانه:وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } [الرحمن: 24]. ومتى وُجِدت البوارج العالية التي تشبه الجبال والمكوَّنة من عدة أدوار. لم توجد إلا حديثاً، إذن: فهذا مظهر من مظاهر إعجاز القرآن، ومن ذلك قوله تعالى:وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } [الزخرف: 33]. ومَنْ يبحث في القرآن يجد فيه الكثير من هذه الآيات التي تثبت صِدْق القرآن وصِدْق رسول الله في البلاغ عن الله. وذكرنا قصة المرأة التي أسلمت لما قرأت التاريخ الإسلامي، وقرأت في سيرة رسول الله أن المؤمنين به كانوا يجعلون عليه حراسة دائمة يتبادلونها حماية له من أعدائه، وفجأة صرف رسول الله هؤلاء الحرس من حوله وقال لهم لقد أنزل الله عليَّوَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ.. } [المائدة: 67] فوقفت المرأة عند هذه الآية وقالت: والله لو أن هذا الرجل كان يخدع الناس جميعاً ما خدع نفسه في حياته. وقلنا في معنى { أَلَمْ تَرَ.. } [لقمان: 31] أنها بمعنى ألم تعلم، لأن إعلام الله لك أوثق من رؤية عينيك. وكلمة { تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَةِ ٱللَّهِ.. } [لقمان: 31] الجري: حركة تودع فيها مكاناً إلى مكان آخر، هذا التوديع إما أن تمشي الهُوَيْنَا أو تجري. لكن ما هي نعمة الله في جريها؟ أولاً كانت أول سفينة من الخشب المربوط إلى بعضه بالحبال والدُّسُر، وكان الغاطس منها في الماء حوالي شبر واحد يزيح من الماء بحجم وزن السفينة، فإذا ما وضعت عليها ثقلاً فإنها تغطس بمقدار هذا الثقل، حتى إذا ما زاد وزن الماء المزاح عن وزن السفينة وحمولتها فإنها تغرق. وهذه الفكرة هي التي تُستخدم في الغواصات، فبالوزن يتم التحكم في حركة الغواصة تحت الماء. والآن نرى السفن العملاقة والتي تُصنع من الحديد، والعجيب أن هذا الحديد الصلب يحمله الماء السائل الليِّن ويجري به، ثم تأتي الريح فتدفع السفن إلى حيث تريد، حتى وإنْ كانت تسير عكس جريان الماء، ويتمكن ربان السفينة من التحكم في حركتها باستخدام بعض الآلات البسيطة وبتوجيه الشراع بطريقة معينة فتسير السفينة حسب ما أراد حتى لو كان اتجاهها عكس اتجاه الريح، ويسمون هذه الحركة تسفيح.

السابقالتالي
2