الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

هذا تذكير وموعظة بما جرى في خلال تينك الحادثتين ثني إليه عنان الكلام بعد أن قضي ما يهم من التشريع للنبي صلى الله عليه وسلم بما حرّم على نفسه من جرَّائهما. وهو معطوف على جملةيا أيها النبي لِمَ تحرّم ما أحلّ الله لك } التحريم 1 بتقدير واذكر. وقد أعيد ما دلت عليه الآية السابقة ضمناً بما تضمنته هذه الآية بأسلوب آخر ليبنى عليه ما فيه من عبر ومواعظ وأدب، ومكارم وتنبيه وتحذير. فاشتملت هذه الآيات على عشرين معنى من معاني ذلك. إحداها ما تضمنه قوله { إلى بعض أزواجه }. الثاني قوله { فلما نبأت به }. والثالث { وأظهره الله عليه }. الرابع { عرف بعضه }. الخامس { وأعرض عن بعض }. السادس { قالت من أنبأك هذا }. السابع { قال نبّأني العليم الخبير }. الثامن والتاسع والعاشرإن تتوبا إلى الله } التحريم 4 إلىفإن الله هو مولاه } التحريم 4. الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشروجبريلُ وصالحُ المؤمنين والملائكة } التحريم 4. الرابع عشر والخامس عشرعسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً } التحريم 5. السادس عشرخيراً منكن } التحريم 5. السابع عشرمُسلمات } التحريم 5 إلخ. الثامن عشرسائحات } التحريم 5. التاسع عشرثيبات وأبكاراً } التحريم 5، وسيأتي بيانها عند تفسير كل آية منها. العشرون ما في ذكر حفصة أو غيرها بعنوان { بعض أزواجه } دون تسميته من الاكتفاء في الملام بذكر ما تستشعِر به أنها المقصودة باللوم. وإنما نبّأها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه علم إفشاءها الحديث بأمر من الله ليبني عليه الموعظة والتأديب فإن الله ما أطلعه على إفشائها إلا لغرض جليل. والحديث هو ما حصل من اختلاء النبي صلى الله عليه وسلم بجاريته مارية وما دار بينه وبين حفصة وقوله لحفصة «هي عليّ حرام ولا تخبري عائشة» وكانتا متصافيتين وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أن حفصة أخبرت عائشة بما أسرّ إليها. والواو عاطفة قصة على قصة لأن قصة إفشاء حفصة السرّ غير قصة تحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه بعض ما أحلّ له. ولم يختلف أهل العلم في أن التي أسر إليها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث هي حفصة ويأتي أن التي نَبأتْها حفصة هي عائشة. وفي «الصحيح» عن ابن عباس قال مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجاً فخرجت معه فلما رجع ببعض الطريق قلت يا أمير المؤمنين مَن اللتان تظاهرتا على رسول الله من أزواجه؟ فقال تلك حفصة وعائشة وساق القصة بطولها. وأصل إطلاق الحديث على الكلام مجاز لأنه مشتق من الحدثان فالذي حدث هو الفعل ونحوه ثم شاع حتى صار حقيقة في الخبر عنه وصار إطلاقه على الحادثة هو المجاز فانقلب حال وضعه واستعماله.

السابقالتالي
2 3 4