الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }

قوله تعالى { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار أخفوا النجوى فيما بينهم، قائلين إن النَّبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا بشر مثلهم، فكيف يكون رسولاً إليهم؟ والنجوى الإسرار بالكلام وإخفاؤه عن الناس. وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من دعواهم أن بشراً مثلهم لا يمكن أن يكون رسولاً، وتكذيب الله لهم في ذلك ـ جاء في آيات كثيرة، وقد قدمنا كثيراً من ذلك، كقولهوَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } الإسراء 94، وقولهفَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } التغابن 6 الآية، وقولهأَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } القمر 24 وقولهمَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } المؤمنون 33-34، وقوله تعالىمَا لِهَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } الفرقان 7 الآية، وقوله تعالىقَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا } إبراهيم 10 الآية. والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً، كما تقدم إيضاح ذلك. وقد رد الله عليهم هذه الدعْوَى الكاذبة التي هي منع إرسال البشر، كقوله هنا في هذه السورة الكريمةوَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } النحل 43، وقوله تعالىوَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } الرعد 38 الآية، وقوله تعالىوَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } الفرقان 20، وقوله هناوَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } الأنبياء 8، إلى غير ذلك من الآيات. وجملة { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ }. قيل بدل من " النجوى ". أي أسروا النجوى التي هي هذا الحديث الخفي الذي هو قولهم هل هذا إلا بشر مثلكم. وصدر به الزمخشري، وقيل مفعول به للنجوى. لأنها بمعنى القول الخفي. أي قالوا في خفية { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ }. وقيل معمول قول محذوف. أي قالوا هل هذا إلا بشر مثلكم. وهو أظهرها. لاطراد حذف القول مع بقاء مقوله. وفي قوله { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أوجه كثيرة من الإعراب معروفة، وأظهرها عندي أنها بدل من الواو في قوله { وَأَسَرُّواْ } بدل بعض من كل، وقد تقرر في الأصول أن بدل البعض من الكل من المخصصات المتصلة، كقوله تعالىوَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } آل عمران 97. فقوله { من } بدل من " الناس " بدل بعض من كل، وهي مخصصة لوجوب الحج بأنه لا يجب إلاَّ على من استطاع إليه سبيلاً.

السابقالتالي
2