قوله تعالى: { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَآقَّةُ } إلى قوله: { فِي ٱلْجَارِيَةِ }. كأن الأصل: الحاقة، ما هي؟ لتقدم ذكرها، إلا أن إعادة الاسم بلفظه أفخم إذا لم يُشْكِل المعنى. و " الحاقة " ابتداء، و " ما " ابتداء ثان، و " الحاقة ": خبر " ما " ، و " ما " وخبرها خبر عن " الحاقة " الأولى، ومثله: { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ }. ومعنى الكلام أنه على التعظيم، والتقدير: الساعة الحاقة: أي شيء هي!، أي: ما أعظمها وأجلها وأشدها. ومعنى الحاقة: التي تحق فيها الأمور ويجب فيها الجزاء على الأعمال. قال ابن عباس: " الحاقة اسم من أسماء القيامة، عظمه الله وحذره عباده ". وقال قتادة: الحاقة: القيامة حقت لكل عامل ما عمله. - ثم قال تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ }. أي: وأي شيء يدريك ويعرفك أي شيء الحاقة؟! [وهذا] كله تعظيم ليوم القيامة. - ثم قال تعالى: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ }. أي: كذبت ثمود قوم صالح، وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد بهجومها عليهم. قال ابن عباس: { بِٱلْقَارِعَةِ }: بيوم القيامة. وقال قتادة: بالساعة. - ثم قال تعالى: { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ }. أي: بطغيانهم وكفرهم بالله وباليوم الآخر. قال مجاهد: { بِٱلطَّاغِيَةِ } بالذنوب. قال ابن زيد: { بِٱلطَّاغِيَةِ } بطغيانهم، واستدل على ذلك بقوله:{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } [الشمس: 11] بالصيحة، كأنها صيحة تجاوزت مقادير الصياح فطغت عليهم. وهو اختيار الطبري؛ لأن الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكوا به لا الذي أهلكوا من أجله (ودليل ذلك / إخباره تعالى عن عاد بالمعنى الذي أهلكوا به وهو الريح ولم يخبر بالذي هلكوا من أجله). وقيل: المعنى: بالفئة الطاغية. (وقيل): بالفعلة الطاغية. وقيل: بالجماعة الطاغية. وقيل: المعنى: بالأخذة الطاغية. وسميت الآخذة طاغية لأنها جاوزت القدر في الشدّة. فالمعنى: فأهلكوا بالأخذة التي جاوزت القدر [فطغت عليهم]. دليله: قوله في عاد: { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } ، فذكر الشيء [الذي] أهلكوا به، فكذلك الأول. وإنما ذكر الشيء الذي أهلكوا به لا الذي أهلكوا من أجله، فإنما وصف العذاب الذي أُهْلِكَ به الطائفتان، فهو ظاهر اللفظ وكُلٌّ قَدْ قِيل. - وقوله: { عَاتِيَةٍ }. ليس (هو) من العتو الذي هو العصيان، إنما هو من العتو الذي هو بلوغ الشيء وانتهاؤه في قوته وقدره، من قولهم: عتا: إذا بلغ منتهاه، ومنه قوله:{ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [مريم: 8]. ثم قال تعالى: { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ }. أي: بريح شديدة العصوف مع شدة بردها. قال ابن عباس: { عَاتِيَةٍ }: أي: " مهلكة باردة عنت عليهم بغير رحمة ولا بركة (دائمة) لا تفتر ".