الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ هو الاول } السابق على سائر الموجودات بالذات والصفات لما انه مبدئها ومبدعها فالمراد بالسبق والاولية هو الذاتى لا الزمانى فان الزمان من جملة الحوادث ايضا { والآخر } الباقى بعد فنائهاحقيقة او نظرا الى ذاتها مع قطع النظر عن مبقيها فان جميع الموجودات الممكننة اذا انقطع النظر عن علتها فهى فانية
اول او اول بى ابتدا آخر او آخر بى انتها بود ونبود اين جه بلندست وبست باشد واين نيز نباشد كه هست   
{ والظاهر } وجود الكثرة دلائله الواضحة { والباطن } حقيقة فلا يحوم العقل حول ادراك كنهه وليس يعرف الله الا الله وتلك الباطنية سوآء فى الدنيا والآخرة فاضمحل مافى الكشاف من ان فيه حجة على من جوز ادراكه فى الآخرة بالحاسة وذلك فان كونه باطنا بكنه حقيقته لاينافى كونه مرئيا فى الآخرة من حيث صفاته { وهو بكل شىء عليم } لايعزب عن علمه شىء من الظاهر والخفى فان عليم صيغة مبالغة تدل على انه تعالى تام العلم بكل شىء جليه وخفيه وفى هذا المقام معان اخر هو الاول والذى تبتدأ منه الاسباب والآخر الذى تنتهى اليه المسببات اى اذا نظرت الى سلسلة الموجودات المتكونة بعضها من بعض وجدت الله مبدأ تلك السلسلة ومنتهاها تبتدىء منه سلسلة الاسبات وتنتهى اليه سلسلة المسببات ولذا قالوا لاتعتمد على الريح فى استوآء السفينة وسيرها وهذا شرك فى توحيد الافعال وجهل بحقائق الامور ومن انكشف له امر العالم كما هو عليه علم أن الريح لايتحرك بنفسه بل له محرك الى أن ينتهى الى المحرك الاول الذى لامحرك له ولا يتحرك هو فى نفسه ايضا بل هو منزه عن ذلك عما يضاهيه والظاهر اى الغالب على كل شىء والباطن اى العالم بباطن كلى شىء على أن يكون الظاهر من ظهر عليه اذا علاه وغلب والباطن من بطنه اذا علم باطنه ولم يرتضه الزمخشرى لفوات المطابقة بين الظاهر والباطن حينئذ وروى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال دخلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته خادما فقال لها عليه السلام " ألا أدلك على ماهو خير لك من ذلك أن تقولى اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شىء منزل التوراة والانجيل والفرقان فالق الحب والنوى اعوذ بك من شر كل ذى شر أنت آخذ بناصيته أنت الاول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء وانت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء اقض عنى الدين واغننى من الفقر " عنى بالظاهر الغالب والباطن العالم ببواطن الاشياء يعنى انه الغالب الذى يغلب كلى شىء ولا يغلب عليه فيتصرف فى المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء اذ ليس فوقه أحد يمنعه والعالم ببواطن الاشياء فهو ملجأ والمنجى يلتجىء اليه كل ملتجىء لا ملجأ ولا منجى دونه اى غيره وقال الامام احتج كثير من العلماء فى اثبات أن الاله واحد بقوله { هو الاول } قالوا اول هو الفرد السابق ولهذا لو قال احد اول مملوك اشتريته فهو حر ثم اشترى عبدين لم يعتقا لان شرط كونه اولا حصول الفردية وهنا لم تحصل فلو اشترى بعد ذلك عبدا واحدا لم يعتق لان شرط الاولية كونه سابقا وههنا لم يحصل فثبت ان الشرط فى كونه اولا أن يكون فردا فكانت الآية دالة على أن صانع العالم واحد فرد وايضا هو الاول خارجا لانه موجد الكل والآخر ذهنا كما يدل عليه براهين اثبات الصانع او بحسب ترتيب سلوك العارفين فاذا نظرت الى ترتيب السلوك ولاحظت منازل السالكين السائرين اليه تعالى فهو آخر مايرتقى اليه درجات العارفين وكل معرفة تحصل قبل معرفته فهى مرقاة الى معرفته والمنزل الاقصى هو معرفة الله فهو آخر بالاضافة الى السلوك فى درجات الارتقاء فى باب المعارف الاول بالاضافة الى الوجود الخارجى فمنه المبتدأ اولا واليه المرجع آخرا وقال بعض الكمل هو بالاول باعتبار بدء السير نزولا والآخر باعتبار ختم السير عروجا الظاهر بحسب النظر الى وجود الحق والباطن بحسب النظر الى وجود الخلق وهذا ماقلوا ان ظاهر الحق باطن الخلق وباطن الخلق ظاهر الحق لان الهوية برزخ بينهما لايبغيان وبالنظر الى الحق هوية الهية وبالنظر الى الخلق هوية كونية وهذه مرتبة قاب قوسين وفوقها مرتبة او أدنى وتكلم يوما عند الشبلى رحمه الله فى الصفات فقال اسكتوا فان ثمة متاهات لايخرقها الاوهام ولاتحويها الافهام وكيف يمكن الكلام فى صفات من تجتمع فيه الاضداد من قوله { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } خاطبنا على قدر افهامنا.

السابقالتالي
2 3 4 5