الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ } خشية الله ههنا حوالة الى رؤية سبق العارفين فى الازل اى اذا وقع امر الامتحان عليكم بواسطة الخلق اقبلوا إليّ بنعت معرفتى ومحبتى ولا تفرعوا منهم فانهم مكان امتحانى فاذا عرفتمونى عرفتم مكان الامتحان فلا تبقى إذاً الخوف من غيرى قال تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } فاذا استحكم عقد الخشية منهم فيظهر للعالم بالله سر افراد القدم عن الحدوث قيل فيه قطعك عن الكل قطعا وجذبك اليه جذبا بهذه الآية { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ } قال ابن عطاء لا تجعل لهم من قلبك نصيبا وافرد قلبك لان تجدنى بصفة الفردانية مقبلا عليك وقال سهل عجز الناس من خشى من لا ينفعه ولا يضره والذى بيده النفع والضر يخاطب بقوله { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ } قوله تعالى { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً } اراد فى الازل وأزل الأزل بلا علة العميا والازل منزه عن دهر الدهار والازمنة الفرارة ان يظهر كنوز صفاته وخزائن جود ذاته محبة منه ومعرفة لعباده كما قال تعالى " كنت كنزاً مخفياً فأجببت ان أعرف " فيتجلى للعدم من القدم فظهر للعباد وألزمهم سمة العبودية وكشف انوار افعاله لهم فعبدوه برؤية نور افعاله وصنائعه ثم كشف لهم انوار الصفات فاحبوه برؤية نور الصفات فلما حان وقت خروج سيد الأولين والآخرين واصحابه وآمنه من العدم بسط بساط العطايا لهم حتى وقفوا على بساط لطفه وكرمه ورباهم بحسن عنايته ثم تجلى لهم بنور الاسماء والصفات ورباهم بها الى ان بلغوا حد الاستقامة فى المحبة والشوق فكشف لهم جلال ذاته فعرفوه بنور الاسماء والنعوت والافعال والصفات فلما عرفوه بمعرفة الذات كملت احوالهم للكشف والمشاهدة والمعرفة والتوحيد ولم يحتجبوا عنه ببركة مشاهدة النبى صلى الله عليه وسلم وتواصلت الكشوف والتجلى بالتجلى قال تعالى { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } حيث ما اكملت لاحد من خلقى ما اكملت لكم وما ذكرنا بمجموعه قد اشار عليه السلام اليه بقوله صلى الله عليه وسلم " جاء الله من سيناء واستعلن بساعير وأشرق من جبال فاران " والدين هو الطريق منه اليه بنعت عرفان طرق الصفات الى الصفات وسبل الصفات الى الذات والنعمة منه لهم كشف جماله بلا حجاب والعفو بلا عتاب والوصول بلا عذاب واتمامها وقايتهم من الاشتغال بغيره وظهوره من جمال نبيه لهم ووصول نبيهم الى درجة مقام المحمود لشفاعتهم وارتضاء الاسلام لهم دينا أسال أستار العظمة عليهم حتى انقادت نفوسهم الامارة الفرارة من الحق لسبحات عظمته ومباشرة قهر سلطان كبريائه ولا يحتجبون عن الحق بها ابدا قال ابو حفص كمال الدين فى شيئين فى معرفة الله واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وقال جعفر بن محمد عليهما السلام اليوم اشارة الى يوم بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويوم رسالته وقيل اليوم اشارة الى الازل والاتمام اشارة الى الوقت والرضا اشارة إلى الابد وقيل { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } ان حصصتكم من بين عبادي بمشاهدة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب به الصحابة وجعلكم حجة لمن بعدكم من الأمة الى يوم القيامة قيل { أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } بالمعرفة قوله تعالى { فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الدنيا ميتة الاولياء والاجتناب منها واجب عليهم فى تجريد التوحيد فاذا وقعوا فى السير فى بحر الأنس وغلب عليهم البسط والانبساط وصاروا منعوتين بوصف العشق والمحبة وطابت نفوسهم فى روح القلوب الملكوتية واحتاجوا الى مباشرة الرخص والسعادة فهم فى حد الاضطرار من جهة نفوسهم الساكنة بروح الانس لانها تطلب من مستحسنات الكون ما يليق بزيادة هيجان القلوب وزيادة شوق الارواح فاذا باشروا طيبات الدنيا على حد ترويح الخواطر وتسكينها من الحرق والهيجان فهى مباح لهم ما داموا فى سير المعارف فاذا بلغوا منتهى المقامات ولم تتجاوز النفوس من تلك المباحات الى استدامة الحظوظ فهى غير متجانفة الى الفترة فان الله سبحانه يتجاوز عن مؤاخذتها بالحجاب ويعينها فى طلب المآب فانه غفور لخطرات اوليائه رحيم بنعت الوصلة باصطفائه قال الاستاذ يحتمل ان معناه من نزل عن مطالبات الحقائق الى رخص العلم لضعف وجده فى الحال فربما يجرى معه مساهلة اذا لم يفسخ عقد الإرادة ونعم ما قال الأستاذ فى وصف السالكين فى باب الرخص فان الله سبحانه تصدق ما ذكرنا فى الآية بثانيها من الآى بقوله لنبيه: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ.

السابقالتالي
2