الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ }: في هذه الآية أقوالٌ كثيرة لخَّصْتُ جميعها في اثني عشر وجهاً؛ وذلك أن " هو " فيه قولان، أحدهما: هو ضمير اسم الله تعالى يعود على ما عادت عليه الضمائر قبله والثاني: أنه ضمير القصة، قال أبو عليّ. قال الشيخ: " وإنما فَرَّ إلى هذا لأنه لو أعاده على الله لصار التقدير: الله الله، فتركَّب الكلام من اسمين متَّحِدَيْن لفظاً ومعنًى لا نسبةَ بينهما إسنادية " قلت: الضمير إنما هو عائد على ما تقدَّم من الموصوف بتلك الصفاتِ الجليلة وهي خَلْقُ السماوات والأرض، وجَعْلُ الظلمات والنور، وخَلْق الناس من طين إلى آخرها، فصار في الإِخبار بذلك، فائدةٌ من غير شك، فعلى قول الجمهور يكون " هو " مبتدأ و " الله " خبره، و " في السماوات " متعلق بنفس الجلالة لما تَضَمَّنَتْه من معنى العبادة كأنه قيل: وهو المعبود في السماوات، وهذا قول الزجاج وابن عطية والزمخشري.

قال الزمخشري: " في السماوات " متعلق بمعنى اسم الله كأنه قيل: وهو المعبود فيها - ومنه:وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ } [الزخرف: 84] - أو هو المعروف بالإِلهيَّة والمتوحِّد بالإِلهيَّة فيها، أو هو الذي يقال له " الله " لا يَشْرَكُه في هذا الاسمِ غيره ". قلت: إنما قال: " أو هو المعروف أو هو الذي يقال له الله " لأن هذا الاسم الشريف تقدَّم لك فيه خلاف: هل هو مشتق أو لا؟ فإن كان مشتقاً ظهر تعلُّق الجار به، وإن كان ليس بمشتق: فإمَّا أن يكون منقولاً أو مرتجلاً، وعلى كلا التقديرين فلا يعمل؛ لأن الأعلام لا تعمل فاحتاج أنْ يَتَأوَّل ذلك على كل قول من هذه الأقوال الثلاثة، فقوله " المعبود " راجع للاشتقاق، وقوله " المعروف " راجع لكونه عَلَماً منقولاً، وقوله " الذي يقال له اللهُ " راجع إلى كونه مرتجلاً، وكأنه -رَحِمه الله - استشعر بالاعتراض المذكور. والاعتراضُ منقولٌ عن الفارسي، قال: " وإذا جَعَلْتَ الظرف متعلقاً باسم الله جاز عندي على قياس مَنْ يقول إن الله أصله الإِله، ومن ذهب بهذا الاسم مذهب الأعلام وجب أن لا يتعلق به عنده إلا ان تُقَدِّر فيه ضرباً من معنى الفعل " فكأن الزمخشري - والله أعلم - أخذ هذا من قول الفارسيِّ وبَسَطه. إلا أن أبا البقاء نقل عن أبي علي أنه لا يتعلَّق " في " باسم الله لأنه صار بدخول الألف واللام، والتغييرِ الذي دخله كالعلمَ، ولهذا قال تعالى:هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65]. فظاهرُ هذا النقلِ أنه يمنع التعلُّق به وإن كان في الأصل مشتقاً.

السابقالتالي
2 3