الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله: { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ }: مبتدأٌ. وقولُه: " فتحريرُ رقبةٍ " مبتدأٌ، وخبرُه مقدرٌ أي: فعليهم. أو فاعلٌ بفعلٍ مقدرٍ أي: فيلزَمُهم تحريرُ، أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: فالواجبُ عليهم تحريرُ. وعلى التقادير الثلاثةِ فالجملةُ خبرُ المبتدأ، ودخلَتِ الفاءُ لِما تضَمَّنه المبتدأُ مِنْ معنى الشرط.

قوله: { لِمَا قَالُواْ } في هذه اللامِ أوجهٌ، أحدُها: أنَّها متعلقةٌ بـ " يعودون ". وفيه معانٍ، أحدُها: والذين مِنْ عادتِهم أنهم كانوا يقولون هذا القولَ في الجاهليةِ، ثم يعودُون لمثلِه في الإِسلام. الثاني: ثم يتداركون ما قالوا؛ لأن المتدارِكَ للأمرِ عائدٌ إليه ومنه: " عادَ غيثٌ على ما أفسَد " أي: تداركه بالإِصلاح والمعنى: أنَّ تدارُكَ هذا القولِ وتلافيَه، بأَنْ يكفِّر حتى ترجعَ حالُهما كما كانت قبل الظِّهار. الثالث: أَنْ يُرادَ بما قالوا ما حَرَّموه على أنفسِهم بلفظِ الظِّهار، تنزيلاً للقولِ منزلةَ المقولِ فيه نحو ما ذُكِر في قولِه تعالى:وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } [مريم: 80] والمعنى: ثم يريدون العَوْدَ للتَّماسِّ، قال ذلك الزمخشريُّ. قلت: وهذا الثالثُ هو معنى ما رُوِي عن مالك والحسن والزهري: ثم يعودون للوَطْء أي: يعودون لِما قالوا إنهم لا يعودون إليه، فإذا ظاهَرَ ثم وَطِىء لَزِمَتْه الكفارةُ عند هؤلاء. الرابع: " لما قالوا " أي: يقولونه ثانياً فلو قال: " أنتِ عليَّ كظهر أمِّي " مرةًَ واحدةً كفَّارةٌ؛ لأنه لم يَعُدْ لِما قال. وهذا منقولٌ عن بُكَيْرِ بنِ عبد الله الأشجِّ وأبي حنيفةَ وأبي العالية والفراء في آخرين، وهو مذهبُ الفقهاءِ الظاهريين. الخامس: أن المعنى: أَنْ يَعْزِمَ على إمساكِها فلا يُطَلِّقَها بعد الظِّهار، حتى يمضيَ زمنٌ يمكنُ أَنْ يطلِّقَها فيه، فهذا هو العوْدَ لِما قال، وهو مذهبُ الشافعيِّ ومالك وأبي حنيفةَ أيضاً. وقال:/ العَوْدُ هنا ليس تكريرَ القولِ، بل بمعنى العَزْمِ على الوَطْءِ.

وقال مكي: " اللامُ متعلقةٌ بـ " يعودون " أي: يعودون لوَطْءِ المقولِ فيه الظهارُ، وهُنَّ الأزواجُ، فـ " ما " والفعلُ مصدرٌ أي: لمقولِهم، والمصدرُ في موضعِ المفعولِ به نحو: " هذا دِرْهَمٌ ضَرْبُ الأمير " أي: مَضْرُوبُه، فيصير معنى " لقولهم " للمقولِ فيه الظِّهارُ أي: " لوَطْئِه ". قلت: وهذا معنى قولِ الزمخشريِّ في الوجه الثالث الذي تَقَدَّم تقريرُه عن الحسنِ والزهري ومالك، إلاَّ أنَّ مكيَّاً قَيَّد ذلك بكونِ " ما " مصدريةً حتى يقعَ المصدرُ الموؤلُ موضعَ اسمِ مفعول.

وفيه نظرٌ؛ إذ يجوز ذلك، وإنْ كانت " ما " غيرَ مصدرية، لكونِها بمعنى الذي أو نكرةً موصوفةً، بل جَعْلُها غيرَ مصدريةٍ أَوْلَى؛ لأن المصدرَ المؤولَ فرعُ المصدرِ الصريحِ، إذ الصريحُ أصلٌ للمؤول به ووَضْعُ المصدرِ موضعَ اسم المفعولِ خلافُ الأصلِ، فيلزمُ الخروجُ عن الأصل بشيئين: بالمصدرِ المؤولِ.

السابقالتالي
2