الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

قوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ } شرط، وفي جوابه وجهان:

أحدهما: أنه قوله: { فَٱنكِحُواْ } وذلك أنهم كانوا يتزوجون الثمانَ، والعشر، ولا يقومون بحقوقهن، فلمَّا نزلت { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ } أخذوا يَتحرّجُونَ من ولاية اليتامى، فقيل لهم: إن خفتم من الجورِ في حقوق اليتامى فخافوا أيضاً من الجور في حقوق النساء، فانكحوا هذا العدد؛ لأنَّ الكَثْرَةَ تُفْضي إلى الجور، ولا تنفع التوبةُ من ذنبٍ مع ارتكاب مثله.

والثاني: أن جوابه قوله: " فواحدة " ، والمعنى أنَّ الرجل منهم كان يتزوج اليتيمة التي في ولايته، فلما نزلت الآية المتضمنة للوعيد على أكل مال اليتيم تحرَّجوا من ذلك، فقيل لهم: إن خفتم من نكاح النساء اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من [النساء مثنى وثلاث ورباع من] الأجنبيات أي: اللاتي لسن تحت ولايتكم، فعلى هذا يحتاج إلى تقدير مضاف، أي: في نكاح يتامى النساء.

فإن قيل: " فواحدة " جواب لقوله: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } فكيف يكون جواباً للأول؛ فالجواب: أنَّهُ أَعَادَ الشرط الثاني لأنه كالأول في المعنى، لما طالَ الفصل بين الأول وجوابه وفيه نظر لا يخفى. والخوف هنا على بابه فالمراد به الحذر.

وقال أبو عبيدة إنه بمعنى اليقين وأنشد الشاعر: [الطويل]
1737- فَقُلْتُ لهُمْ خَافُوا بأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ   سَرَاتُهُمُ في الفَارِسِي الْمُسَرَّدِ
أي: أيقِنُوا، وقد تَقَدَّمَ تَحْقِيْقُ ذلك والردُّ عليه عند قوله تعالى:إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [البقرة: 229].

قوله: { أَلاَّ تُقْسِطُواْ } إنْ قَدَّرَتْ أنها على حذف حرف الجر، أي: " مِنْ أن لا " ففيها الخلاف المشهور أي: في محل نصب [أو جر، وإنْ لم تقدّر ذلك بل وصل الفعل إليها بنفسه، كأنك قلت: " فَإنْ حَذَرْتم " فهي في محل نصب] فقط كما تَقَدَّمَ في البقرة.

وقرا الجمهور: " تقسطوا " بضم التاء، من أقْسَط: إذا عدل، فتكون لا على هذه القراءة نافيةُ، والتقديرُ: وإنْ خِفْتُمْ عدم الإقساط أي: العدل.

وقرأ إبراهيم النخعي: ويحيى بن وثَّاب بفتحها من " قسط " وفيها تأويلان:

أحدهما: أن " قَسَطَ " بمعنى " جار " ، وهذا هو المشهور في اللغة، أعني أن الرباعي بمعنى عَدَلَ، والثلاثي بمعنى جار، وكأنَّ الهمزة فيه للسَّلْبِ بمعنى " أقسط " أي: أزال القسط وهو الجور، و " لا " على هذا القول زائدة ليس إلا، وإلا يفسد المعنى كهي في قوله:لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [الحديد:29].

والثاني: حكى الزجاج أن " قسط " الثلاثي يستعمل استعمال " أقسط " الرباعي، فعلى هذا تكون " لا " غير زائدة، كهي في القراءة الشهيرة؛ إلاَّ أنَّ التَّفْرِقَةَ هي المعروفةُ لغة.

قالوا: قاسطته إذَا غَلَبْتَهُ على قِسْطِهِ، فبنوا " قسط " على بناء ظلم وجار وغلب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9