{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي جاء فدنا، واختلفوا في هذا الأمر ما هو. فقال قوم: هو الساعة. قال ابن عبّاس: لما أنزل الله تعالى{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [القمر: 1] قال الكفار بعضهم لبعض: إن هذا يزعم [أن] يوم القيامة قد قرب فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ماهو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء، قالوا: ما نرى شيئاً، فأنزل الله تعالى:{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [الأنبياء: 1] الآية. فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة، فلما إمتدت الأيام قالوا: يا محمّد ما نرى شيئاً مما تخوّفنا به فأنزل الله { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزلت { فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } فاطمأنوا فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه إن كادت لتسبقني ". وقال ابن عبّاس: كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة. وأن جبرئيل لما مرَّ بأهل السماوات مبعوثاً إلى محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: الله أكبر قد قامت الساعة. قال الآخرون: الأمر هاهنا العذاب بالسيف، وهو جواب للنضر بن الحرث حين قال:{ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [الأنفال: 32] الآية يستعجل العذاب، فأنزل الله هذه الآية، وهذا من الجواب المقصور فقتل النضر يوم بدر صبراً. وقال الضحاك: { أَمْرُ ٱللَّهِ }: الأحكام والحدود والفرائض. والقول الأوّل أولى بالصواب؛ لأنه لم يبلغنا أن أحداً من الصحابة مستعجل بفريضة الله قبل أن تفرض عليهم، وأمّا مستعجل العذاب من المشركين فقد كانوا كثيراً. { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ }. قرأه العامّة: بضم الياء وكسر الزاي المشدد، الملائكة نصب. وخففه معظم أهل مكة والبصرة بمعنى ينزل الله. وقرأ المفضل وروح وسهيل وزيد: ينزل بفتح الياء والزاي، الملائكة رفع. وقرأ الأعمش: ينزل بفتح الياء وجزم النون وكسر الزاي من النزول، والملائكة رفع على هاتين القرائتين والفعل للملائكة. { بِٱلْرُّوحِ } بالوحي سمّاه روحاً، لأنه تحيا به القلوب والحق، ويموت به الكفر والباطل. وقال عطاء: بالنبوة فطرة يلقى الروح من أمره. قتادة: بالرحمة. أبو عبيدة: { بِٱلْرُّوحِ } ، يعني: مع الروح وهو جبرئيل. { مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ } محله نصب بنزع الخافض، ومجازه بأن { أَنْذِرُوۤاْ } أعلموا، من قولهم: أنذر به أي أعلم { أَنَّهُ } في محل النصب بوقوع الإنذار عليه. { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ * خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } } يجادل بالباطل { مُّبِينٌ } نظيره قوله:{ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } [النساء: 105] نزلت هذه الآية في أُبي بن خلف الجمحي حين جاء بالعظم الرميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمّد أترى الله يحيي هذا بعدما قد رمَّ؟ نظيرها قوله: