الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

هذه آيات كونية واضحة مرئية للجميع: للمؤمن وللكافر، للطائع وللعاصي، فالحق سبحانه يوزع لنا الوقت بين ليل ونهار، لكنه ليس توزيعاً متساوياً ميكانيكياً، بحيث يكون كل منهما أربعاً وعشرين ساعة ثابتة على التقدير الجبري كما يقولون لذلك نرى اليوم ينقص مثلاً عن الأربع وعشرين ساعة عدة دقائق تُضاف إلى زمن الليل أو العكس. لذلك قالوا من أيام بطليموس: السنة 365 يوماً وخمس ساعات، وخمس وخمسون دقيقة، واثنتا عشرة ثانية بالدقة. بعدها انتهوا إلى أنَّ السنة 365 يوماً وربع يوم عن طريق الجبر، فكل ثلاث سنين نجبر الرابعة، ويقولون: سنة بسيطة، وسنة كبيسة أي: طويلة، فالتي تقبل القسمة على أربعة سنة كبيسة، لذلك نجد شهر فبراير في هذه السنة 29 يوماً، ذلك لنعوض اليوم. وكلمة يوم تعني الليل والنهار، لكن القسمة بينهما ليست متساوية، فالحق - تبارك وتعالى - بصنعته الحكيمة أراد أنْ يُوزع الحرارة والبرودة على كل مناطق المعمورة، ويعطي لكل منطقة ما تحتاجه لتنبت أرضها، وتعطينا نحن مقومات حياتنا، بدليل أن من النباتات ما لا ينمو إلا في الصيف، ومنها ما لا ينمو إلا في الشتاء، كذلك في الاعتدال الربيعي والاعتدال الخريفي. لذلك، عرفنا أخيراً أن الخالق سبحانه جعل لمحور الأرض ميلاً بمقدار 23.5 درجة عن مستوى مدارها فهي إذن غير مستوية، ففي فصل الشتاء يكون القسم الكبير منها مواجهاً لليل، والآخر مواجهاً للنهار، فتجد ليل الشتاء أطول من ليل الصيف وأبرد منه، ويبلغ ليل الشتاء أقصى ما يمكن من الطول وهو 12 ساعة فهي شهر كيهك، حتى أن الفلاحين يقولون في كيهك كياك صباحك مساك قوم من نومك حضر عشاك. ومقابل ذلك في فصل الصيف، فكأن ميل محور الأرض سرٌّ من أسرار هندسة هذا الكون، ففي الحادي والعشرين من حزيران يونيو يبدأ الانقلاب الصيفي، وفي الثالث والعشرين من كانون الأول ديسمبر يبدأ الانقلاب الشتوي، ثم الاعتدال الربيعي في الحادي والعشرين من آذار مارس، والاعتدال الخريفي في الثاني والعشرين من أيلول سبتمبر. وفي الاستواء الربيعي والاستواء الخريفي تجد أن الليل مساو للنهار، وجوّهما معتدل لا حر ولا برد. فقول الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ.. } [لقمان: 29] يعني: لا تظن أن الليل والنهار قسمة متساوية لأن الله تعالى بحكمته يُدخل جزءاً من الليل في النهار، أو جزءاً من النهار في الليل، فيزيد في أحدهما، وينقص من الآخر لحكمة أرادها سبحانه وتعالى لصالح الإنسان، وإمداداً له بمقوِّمات حياته، لتعلم أن ما يطرأ على الليل أو النهار من تغيير الأشياء لها مناط في الحكمة الإلهية العليا.

السابقالتالي
2 3 4