قوله تعالى ذكره: { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } إلى قوله: { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }. المعنى: واضمم يا موسى يدك، فضعها تحت عضدك. وقال مجاهد: " إلى جناحك " كفه في عضده. يقال لآخر العضد، إلى مبتدأ الإبط جناح. وقيل: أمر أن يدخل يده في ثيابه مما يلي صدره وعضده، ففعل، ثم أخرجها بيضاء لها شعاع ونور. وقال أبو عبيدة: " إلى جناحك " إلى ناحية جنبك. والجناحان الناحيتان. وقيل: " إلى جناحك " إلى صدرك، ففعل، فخرجت يده نوراً ساطعاً تضيء بالليل كضوء الشمس والقمر، فهي له آية أخرى مع العصا. أي: علامة على قدرة الله وصحة نبوته. ومعنى: { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } من غير برص. وقال مجاهد: كان موسى رجلاً آدم، فأدخل يده في جيبه ثم أخرجها بيضاء من غير سوء أي من غير برص مثل الثلج، ثم ردها فخرجت كما كانت على لونه. وقوله: { آيَةً أُخْرَىٰ } أي: دلالة أخرى على العصا. وقوله: " بيضاء " نصب على الحال. " وآية " بدل من بيضاء عند الأخفش. وقال الزجاج: هي نصب بإضمار فعل تقديره " آتيناك آية أخرى ". وقيل: " آية " حال أيضاً، لأنه بمعنى مبينة. ثم قال تعالى: { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ }. أي: لنريك من آياتنا العجائب. ثم قال: { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ }. أي: تجاوز قدره، وتمرد على ربه. وفي الكلام حذف. والتقدير: اذهب إلى فرعون إنه طغى فادعه إلى توحيد الله وطاعته، وإرسال بني إسرائيل معك. وقوله: { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي }. أي: افسح لي صدري لأعي عنك ما تودعه من وحيك، وأجترئ به على خطاب فرعون. { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي }. أي: سهّل عليّ القيام بما كلفتني من الرسالة والطاعة. { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي }. أي: واطلق لساني للمنطق. قيل: كانت في لسانه عجمة عن الكلام من أجل الجمرة التي كان ألقاها إلى فيه يوم همّ فرعون بقتله. قال ابن جبير: " عقدة من لساني " عجمة بجمرة نار أدخلها في فيه عن أمر امرأة فرعون، ترد به عنه عقوبة فرعون حين أخذ موسى بلحيته، وهو لا يعقل. فقال فرعون: هذا عدو لي فقالت له امرأته: إنه لا يعقل. وكذلك قال مجاهد. وقال السدي: لما تحرك الغلام - يعني موسى صلى الله عليه وسلم - أرته أمه آسية. فبينما هي ترضعه وتلعب به، إذ ناولته فرعون وقالت: خذه. فلما أخذه، أخذ موسى بلحيته فنتفها. فقال فرعون: علي بالذباحين. فقالت آسية: لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً. إنما هو صبي لا يعقل، وإنما صنع هذا من صباه، وقد علمت أنه ليس في أهل مصر أحلى مني.