{ إنا بَلَوناهم كما بَلَوْنا أَصْحابَ الجَنَّةِ } فيهم قولان: أحدهما: إن الذين بلوناهم أهل مكة بلوناهم بالجوع كرتين، كما بلونا أصحاب الجنة حتى عادت رماداً. الثاني: أنهم قريش ببدر. حكى ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذاً واربطوهم في الحبال، ولا تقتلوا منهم أحداً، فضرب اللَّه بهم عند العدو مثلاً بأصحاب الجنة. { إذ أَقْسموا لَيَصرِمُنّها مُصْبِحينَ } قيل إن هذه الجنة حديقة كانت باليمن بقرية يقال لها ضَروان، بينها وبين صنعاء اليمن اثنا عشر ميلاً، وفيها قولان: أحدهما: أنها كانت لقوم من الحبشة. الثاني: قاله قتادة أنها كانت لشيخ من بني إسرائيل له بنون، فكان يمسك منها قدر كفايته وكفاية أهله، ويتصدق بالباقي، فجعل بنوه يلومونه ويقولون: لئن ولينا لنفعلن، وهو لا يطيعهم حتى مات فورثوها، فقالوا: نحن أحوج بكثرة عيالنا من الفقراء والمساكين " فأقسموا ليصرُمنّها مصبحين " أي حلفوا أن يقطعوا ثمرها حين يصبحون. { ولا يَسْتَثْنونَ } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا يستثنون من المساكين، قاله عكرمة. الثاني: استثناؤهم قول سبحان ربنا، قاله أبو صالح. الثالث: قول إن شاء اللَّه. { فطاف عليها طائفٌ مِن ربِّك وهم نائمونَ } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أمر من ربك، قاله ابن عباس. الثاني: عذاب من ربك، قاله قتادة. الثالث: أنه عنق من النار خرج من وادي جنتهم، قاله ابن جريج. { وهم نائمون } أي ليلاً وقت النوم، قال الفراء: الطائف لا يكون إلا ليلاً. { فأصبحت كالصَريم } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: كالرماد الأسود، قاله ابن عباس. الثاني: كالليل المظلم، قاله الفراء، قال الشاعر:
تطاولَ ليلُكَ الجَوْنُ البهيمُ
فما ينجاب عن صبحٍ، صَريمُ
الثالث: كالمصروم الذي لم يبق فيه ثمر. روى أسباط عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " أياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيىء له " ، ثم تلا: { فطاف عليها طائف من ربك... } الآيتين قد حرموا خير جنتهم بذنبهم. { فتنادَوْا مُصبِحينَ } أي دعا بعضعهم بعضاً عند الصبح. { أنِ اغْدُوا على حَرْثِكم } قال مجاهد: كان الحرث عنباً. { إن كنتم صارمين } أي عازمين على صرم حرثكم في هذا اليوم. { فانْطَلَقُوا وهم يتخافتونَ } فيه أربعة أوجه: أحدها: يتكلمون، قاله عكرمة. الثاني: يخفون كلامهم ويسرونه لئلا يعلم بهم أحد، قاله عطاء وقتادة. الثالث: يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم. الرابع: لا يتشاورون بينهم. { أن لا يدخُلَنّها اليومَ عليكم مِسكين } قاله يحيى بن سلام. { وَغَدَوْا على حَرْدٍ قادرين } فيه تسعة أوجه: أحدها: على غيظ، قاله عكرمة.