قوله تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ } عطف على قوله:{ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ } [الفرقان: 22]. قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: " تشّقق " بتشديد الشين، وقرأ الباقون بتخفيفها. فمن شدّد قال: الأصل: " تَتَشَقَّق " ، ثم أدغم التاء في الشين. ومن خفّف حذف التاء الثانية استخفافاً؛ لاجتماع المِثْلَين ولم يُدغِم. قال ابن عباس وغيره: المعنى: أن السماء تتفتَّح بغمام يخرج منها تَنزلُ فيه الملائكة، وهو غمام أبيض رقيق مثل الضباب. ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تِيههم، وهو الذي قال الله عز وجل:{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ } [البقرة: 210]. قال الفراء: المعنى: تَشَقَّقُ السماء [عن] الغمام، وعلى وعن والباء في هذا الموضع بمعنى واحد؛ لأن العرب تقول: رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس، والمعنى واحد. وقال أبو علي الفارسي: المعنى: تشَقَّق السماء وعليها غمام. كما تقول: ركب الأمير بسلاحه وخرج بثيابه. أي: وعليه سلاحه. وقال الزمخشري: لما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها، جعل الغمام كأنه الذي تُشَقُّ به السماء. { وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ } لإظهار العدل وبأيديهم صحائف أعمال العباد { تَنزِيلاً }. وقرأ ابن كثير: " ونُنْزِلُ " بنونين مع التخفيف، من الإنْزال، " الملائكةَ " بالنصب. { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ } قال الزجاج: المعنى: المُلْكُ الذي هو الملك حقاً للرحمن. وقال غيره: { ٱلْحَقُّ }: الثابت؛ لأن كل مُلْك يزول يومئذ ويبطل، ولا يبقى إلا مُلْكَه سبحانه وتعالى. { وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } صعباً شديداً عظيم المشقة. وفي تخصيص ذلك بالكافرين بشارة ظاهرة بسهولة ذلك اليوم على المؤمنين. وفي الحديث: " أن يوم القيامة يهون على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة صلاّها في دار الدنيا ". قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ } عطف على ما قبله. قال ابن عباس وأكثر المفسرين: " الظالم ": عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس. والألِفُ [واللام] للعهد. ويجوز أن تكون للجنس، فيشمل عقبة وغيره. قال عطاء: يأكل يديه [حتى] يذهبا إلى المرفقين، ثم يَنْبُتان فلا يزال هكذا، كلما نبتت يداه أكلهما ندامة على ما فعل. وقيل: عضّ اليدين مَجاز عن نهاية الحسرة والندامة. { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ } يعني: محمداً { سَبِيلاً } طريقاً إلى الهدى والنجاة من الرَّدى. { يَٰوَيْلَتَىٰ } وقُرئ: " يا ويلتي " بالياء على الأصل. { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } يعني: أمية بن خلف. وقيل: أُبيّ بن خلف. { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } قال مجاهد وأكثر المفسرين: سبب نزول هذه الآية: " أن عقبة بن أبي معيط دعا قوماً فيهم رسول الله لطعام، فأكلوا، وأبى رسول الله أن يأكل، فقال: لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فشهد بذلك عقبة، فبلغ ذلك أُبيّ بن خلف، وكان خليلاً له، فقال: صَبَوْتَ يا عقبة؟ فقال: لا والله ما صبوت، ولكنه أبى أن يأكل طعامي وهو في بيتي، فاستحييتُ أن يخرج من منزلي لم يَطْعَم من طعامي، فقلت ذلك وليس من نفسي، فقال: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً فلم تطأ قفاه وتبزُق في وجهه وتلطم عينه، فوجده يوماً ساجداً، فنالَ منه بعض ما أراد، فقال له رسول الله: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا قتلتك، فقتله رسول الله يوم أُحُد ".