الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ الَّذِينَ يأكْلُونَ الربا } أى يتصرفون فى مال الربا بالأخذ أو الإعطاء أو الأكل أو الركوب واللباس ونحو ذلك، استعمل الإتلاف الخاص وهو أكله فى مطلق الإتلاف، ولو بلا أكل أو بمجرد القبض، فإن قابض الربا بالبيع متلف له عن صاحبه، ونكتة تخصيص ذكره بلفظ الأكل أن الأكل أعظم ما يقصد بالمال، وذلك أن كلا مشترك فى التحريم. قال صلى الله عليه وسلم " لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبه والمحلل له " أو لأن الربا فى ذلك الزمان أشنع فى المأكول، وإنما ذكر الربا بعد الصدقات، لأنهُ ضدها إذ هو زيادة حسية فى الحال فى المال على وجه منهى عنه توجب النقص فى المال بعد، وهى نقص منه حسى على وجه مأمور به، توجب الزيادة بعد البركة والخلف والربا عندنا فى كل جنس متفق، وفى البر مع الشعير، والذهب مع الفضة، ودخل فى الربا الماء بالماء كمن يبدل طيباً بماء غير طيب، أو طيب بطيب أو مر بمر، ويتلف أو يغيب أحد الماءين ولو فى ماء قبل حضور الآخر، ويكون بتأخير لأجل أو بدون أجل بزيادة من بائع أو من مشتر أو بلا زيادة، إلا إن كان قرضا فلا ربا فى القرض، ولو زاد عند القضاء فى العدد أو فى الجودة، إلا إن اشترط الزيادة فى العقد، ولا ربا إذا أحضرا معاً، ولو كانت الزيادة، وقيل إن كانت الزيادة قرباً ولو حضرا وهذان قولان فى المذهب، وقولان أيضا خارجة، ومسائل الربا والخلاف فيما يكون يستطلعه فى شرح النيل، وكتبت الربوا بالواو لأنها أصل ألفه ولتفخيم لألفه بإمالتها إلى جهة الواو، والقياس أن يقتصر على الواو لأنها فى مقام الألف، ولكن زيدت بعدها ألف تشبيها بواو الجمع، وفى بعض المصاحف كتبه بألف بعد الباء متصلة بها بلا واو على الأصل، وقرأ حمزة والكسائى بإمالة ألف الربا بكسرة الراء، وجوز الكوفيون تثنيته بالياء، وكتبه بالياء وكذا الفخر الرازى أثبت التخيير بين كتبه بالواو أو بالياء أو بالألف، قال أبو عمر والدانى المشهور أن يكتب بالواو بعدها ألف وهو المشهور أيضا فى مصاحف العراق، وجد القليل منها بواو دون ألف بعدها. { لا يقُومُونَ إلا كَما يَقُوم الَّذى يتخبَّطُه الشَّيْطانُ مِنَ المسِّ } أى لا يقومون من قبورهم إذا بعثوا إلا كما يقوم الإنسان الذى يضر به الشيطان ضرباً فى أى موضع أصاب من جسده، للمس الذى أصابه به، وذلك أنه يمسه فيخبل عقله، وبعد ذلك يعتاد المجئ إليه فيضربه فيصرعه، ووجه الشبه السقوط عقب النهوض، والشياطين ومطلق الجن موجودون حقاً، وأشرك جاحدهم، والشيطان ولو كان ضعيفاً لكن قد جعل الله له قوة فى تخييل العقول لمن شاء الله، بل يمسه أو يتخيل له ويراه، وذلك كله قليل، والقليل لا ينافى المعتاد المشهور من أنا لا نراهم، فقد رآهم سليمان وحبسهم واستعملهم فى الأعمال الشاقة، وهو بشر مثلنا خص عنّا بالرسالة والملك العظيم، ورآهم النبى صلى الله عليه وسلم، وقبض على واحد وأراد ربطه فى المسجد ليراه الناس، فانظر كيف قال ليراه الناس، فأجاز رؤيته نادراً، وقد صَارع عمر جنيا، وكذا غيره، وقبض عليه أبو هريرة، ولا مانع من دخول الجسم اللطيف فى الجسم الكثيف، وتضرره به كالريح تدخل مسام الإنسان وتضره إذا أراد الله، فيدخل اللطيف من الجن بعض دخول فى الجسم أو يسمه إذا سلطه الله كما يمس السم أو غيره من المضار الموضع الرقيق فيضره، وكما يلدغ الإنسان أو بلسع فيدخله الضرر، ولعل بعض الجن كثيف يمس بلا دخول، وبعضاً لطيف يمس أو يدخل، ولو اشتهر أن الجن أجسام لطيفة، والمصارعة والقبض عليه يقتضيان الكثافة، وليس مسه للإنسان أو ضربه كثيرا معتادا، ومعنى قوله

السابقالتالي
2 3 4 5