قوله تعالى [ذكره]: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } إلى آخر السورة. أَلَم يرَ هؤلاء المكذبون بالبعث [بعد الموت] أنا بقدرتنا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها /. وأصل الجِّرزِ من قولهم: رجل جَرُوزٌ، إذا كان لا يُبقي شيئاً إلا أكله. وحكى الفراء وغيره فيه أربع لغات: أرض جُرْزٌ، وَجُرْزٌ وَجَرَزٌ وَجَرْزٌ، وكذلك حكوا في البُخل والرُّعب والرُّهب، هذه الأربع على أربع لغات، قال ابن عباس: هي أرض باليمن. يروى أنه ليس فيها أنهار وأنها بعيدة من البحر يأتها كل عام واديان عظيمان بسيل عظيم من حيث لا يعلمون فيزرعون عليه ثلاث مرات في السنة. وقال مجاهد: هي أَبْين. وقال عكرمة: هي الظَّمأى. وقال ابن عباس: الجرز: التي لا تمطر إلا مطراً لا يغني عنها شيئاً. وقال الضحاك: هي الميتة العطشى. وقال أهل اللغة: هي التي لا نبات فيها. ثم قال [تعالى] { فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً } أي: بالماء. { تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ } أي: ترعاه مواشيهم، ويأكلون منه هم. وقوله: { وَأَنفُسُهُمْ } أي: وهم يأكلون منه. والنفس يراد بها جملة الشيء وحقيقته، ومنه قوله تعالى{ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } [المائدة: 116]، أي: تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم. وتكون النفس الجزء من الإنسان كقولك [خرجت] نفسه. ثم قال: { أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } أي: أفلا يرون ذلك بأعينهم فيعلمون أن من قدر على ذلك هو قادر على إحيائهم بعد موتهم. ثم قال [تعالى]: { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }. أي: يقول لك يا محمد هؤلاء المشركون: متى يجيئ هذا الحكم بيننا وبينك، أي: متى يكون هذا الثواب والعقاب. قال قتادة: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن لنا يوماً يوشك أن نستريح فيه ونتنعم، فقال المشركون: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }. وقال القتبي: يعني بذلك فتح مكة. وقال مجاهد وغيره: هو يوم القيامة. وقوله تعالى [ذكره]: { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ } يدل على أنه يوم القيامة لأنه قد نفع من آمن من الكفار إيمانهم يوم فتح مكة. وروي أن المؤمنين قالوا: سيحكم الله بيننا يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، فقال الكفار على التهزي: متى هذا الفتح؟، أي: هذا الحكم. يقال للحاكم فاتح وفتاح لأن الأحكام تنفتح على يديه. وفي القرآن:{ رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } [الأعراف: 89] أي احكم. ثم قال تعالى: { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ } أي: قل لهم يا محمد: يوم الفتح لا ينفع من كفر بالله وآياته إيمانه في ذلك الوقت، وذلك يوم القيامة. قال ابن زيد " يوم الفتح " ، أي: إذا جاء العذاب. وقوله: { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي: يؤخرون للتوبة / والرجوع إلى الدنيا. ثم قال تعالى: { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي: عن هؤلاء المشركين. وهذا منسوخ نسخة آية السيف قوله جل ذكره{ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5] الآية، قاله ابن عباس وغيره. ثم قال: { وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } أي: انتظر ما الله صانع بهم. إنهم منتظرون ما تعدهم من العذاب ومجيئ الساعة.