الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

مضت سنة الله في خطابه لعباده أن يشفع الترهيب بالترغيب، ويجمع بين الوعد والوعيد لتربية النفس الإِنسانية وإيقاظ أحاسيسها بالتشويق تارة، وبالتخويف تارة أخرى، لأن كلا الأمرين حافز إلى فعل الخير، وواق من ارتكاب ضِدِّه، والناس متباينون في طبائعهم، فمنهم من هو أسرع تأثرا بالتشويق، ومنهم من يتأثر بالتخويف، ومنهم من يدفعه التشويق إلى المسارعة إلى الخيرات، ويمنعه التخويف من ارتكاب الموبقات، وإصلاح النفس الإِنسانية هو المقصد الأساسي للقرآن، فلذلك جاء خطابه بما يتسع لأحوال الناس جميعا.

هذا وذكر إمام المعاني جار الله الزمخشري أن هذا العطف هو عطف جملة ثواب المؤمنين على جملة عقاب الكافرين، والتبس كلامه على أبي حيان الأندلسي فحمله في تفسيره " البحر المحيط " على أن مراده به عطف الجملة على الجملة، وهذا الذي دعا أبا حيان إلى تبرير التعاطف بين الجملتين مع كون المعطوفة إنشائية، والمعطوف عليها خبرية، وبناه على رأي من لا يشترط اتحاد الجملتين في الإِنشاء أو الخبر لجواز عطف إحداهما على الأخرى، وأورد شواهده القاضية بصحته، والزمخشري لم يقصد ما فهمه أبو حيان، ولم يرد بالجملة الجملة الإِصطلاحية عند علماء العربية، وإنما أراد بها مجموعة من الكلام مشتملة على جُمَل، وقصده واضح، وقد فصل كلامه تفصيلا السيد الجرجاني بحيث لم يترك أي لبس حوله، فالمعطوف هنا جملة الكلام الخاصة بثواب المؤمنين، والمعطوف عليه جملة الكلام الخاصة بعقاب الكافرين مع غض النظر عما اشتمل عليه كل من المعطوف والمعطوف عليه مما يسمى جملة في الإِصطلاح، والتناسب بين المتعاطفين ما بينهما من التقابل، وسمى السيد هذا العطف عطف قصة على قصة، وسبق الحديث عنه في قوله عز وجل: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ.. } " الآية ".

واختُلف من أين تبدأ القصة المعطوف عليها، فذهب السيد الجرجاني إلى أن بدايتها قوله: { وإن كنتم.. } وذكر الألوسي عن بعضهم أنه أقضى لحق البلاغة، وأدعى لتلاؤم النظم لأن بداية الكلام وهي: { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ } شاملة لفريقي المؤمنين وغيرهم، ثم خوطب غير المؤمنين بقوله { وإن كنتم } وهو خطاب يتضمن الإِنذار وعُطف عليه خطاب المؤمنين بقوله: { وبشر.. } ومعناه البشارة المقابلة لما في خطاب الطائفة الأولى من الإِنذار، ومعنى ذلك أن الله سبحانه أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس جميعا إلى عبادة الله، ثم أمره أن ينذر المعاندين ويبشِّر المؤمنين، وذهب السعد التفتازاني إلى أن بدايتها من قوله: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } لأن السياق لوصف حال الكفار وبيان منقلبهم، وهذا هو الذي يتلاءم مع ما اخترته من قبل وهو أن الخطاب في قوله: { وإن كنتم } يتوجه إلى جميع الفئات المخاطبة بقوله: { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } ، وجوز الزمخشري أن يكون العطف على: { اتقوا } واعترض من وجهين:

أولهما: أن العطف يقتضي جواز حلول كل من المعطوف والمعطوف عليه محل الآخر، ولا يجوز حلول بَشِّر مكان اتقوا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد