قوله تعالى: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } قد سبق تفسير " ذرني ". والعائد على الاسم الموصول محذوف، تقديره: ومن خلقته. [و " وحيداً " ] حال من المخلوق، على معنى: خلقته وهو وحيد فريد لا مال له ولا ولد. وهذا قول مجاهد. وقيل: إن " وحيداً " حالٌ من الله تعالى، ثم فيه وجهان: أحدهما: أنه حال من الضمير المنصوب في " ذرني " ، على معنى: ذرني وحدي، فأنا أكفيك أمره وأنتقم لك منه، وأجزيك عن كل منتقم منه. [قال] مقاتل: خلّ بيني وبينه فأنا أكفيك هلاكه. الثاني: أنه حال من الضمير المرفوع في " خَلَقْتُ " ، أي: ذرني ومن خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد. قال ابن عباس: جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال له: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، فإنك أتيت محمداً تتعرّض لما قبله، فقال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكرٌ له، قال: وماذا أقول، فوالله ما [فيكم] رجل أعلم بالأشعار مني، والله ما يُشبهها الذي يقول، والله إن لِقَوْلِه حلاوة، وإن عليه طلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مُغدقٌ أسفله، وإنه ليَعْلُوا وما يُعلى. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: [فدعني] حتى أفكر فيه، فقال: إن هذا إلا سحر يؤثر، يأثُرُه عن غيره، فنزلت هذه الآيات. قال مجاهد: قال الوليد لقريش: إن لي إليكم حاجة، فاجتمعوا في دار الندوة، فقال: إنكم ذَوو أحساب وأحلام، وإن العرب يأتونكم وينطلقون من عندكم على أمر مختلف، فأجمعوا على شيء واحد، ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا: نقول: إنه شاعر، فعَبَسَ عندها وقال: قد سمعنا الشعر وما يشبه قوله الشعر، فقالوا: نقول: إنه كاهن، فقال: إذاً يأتونه فلا يجدونه يُحدّث ما تحدث [به] الكهنة، قالوا: نقول: إنه مجنون، قال: إذاً يأتونه فلا يجدونه مجنوناً، قالوا: نقول: إنه ساحر، قال: وما الساحر؟ قالوا: بشرٌ يُحبّبون بين المتباغضين، ويبغّضون بين المتحابين، قال: فهو ساحر، فخرجوا لا يلقى أحد النبي صلى الله عليه وسلم إلا قال: يا ساحر، فاشتدّ ذلك [عليه]، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات. قوله تعالى: { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } كثيراً مبسوطاً. وقال الزجاج: غير منقطع. قال عمر بن الخطاب رضي الله [عنه]: غَلَّةُ شهر بشهر. قال مقاتل: كان له بستان بالطائف لا ينقطع خيره شتاءً ولا صيفاً. وقال ابن عباس ومجاهد: ألف دينار. وقال قتادة: أربعة آلاف دينار.