الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ }

قوله: { إِذْ دَخَلُواْ }: في العاملِ في " إذ " أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه " حديثُ " أي: هل أتاك حديثُهم الواقعُ في وقت دخولِهم عليه. الثاني: أنه منصوبٌ بما في " ضَيْف " من معنى الفعل؛ لأنه في الأصلِ مصدرٌ، ولذلك استوى فيه الواحدُ المذكرُ وغيره، كأنه قيل: الذي أضافهم في وقتِ دخولِهم عليه. الثالث: أنَّه منصوبٌ بـ " المُكْرَمين " إنْ أريد بإِكرامهِم أنَّ إبراهيمَ أكرمَهم بخدمتِه لهم. الرابع: أنه منصوبٌ بإضمارِ اذْكُر، ولا يجوزُ نصبُه بـ " أتاك " لاختلافِ الزمانَيْن.

وقرأ العامَّةُ " المُكْرَمين " بتخفيفِ الراءِ مِنْ أكرم. وعكرمة بالتشديد.

قوله: { سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ }: قد تقدَّم تحريرُ هذا في هود. وقال ابن عطية: " ويتجهُ أن يعملَ في " سَلاماً " " قالوا " على أَنْ يُجعل " سلاماً " في معنى قولاً، ويكون المعنى حينئذٍ: أنهم قالوا تحية وقولاً معناه سلاماً. وهذا قولُ مجاهد ". قلت: ولو جُعِل التقدير أنَّهم قالوا هذا اللفظَ بعينِه لكان أَوْلى، وتفسيرُ هذا اللفظِ هو التحيةُ المعهودةُ. وتقدَّم أيضاً خلافُ القرَّاءِ في " سلاماً " بالنسبة إلى فتحِ سِينه وكسرِها وإلى سكونِ لامِه وفتحِها.

والعامَّةُ على نصب " سلاماً " الأول ورفع الثاني، وقُرئا مرفوعَيْن، وقُرىء " سَلاماً قال: سِلْماً " بكسرِ سينِ الثاني ونصبِه، ولا يَخْفَى توجيهُ ذلك كلِّه مِمَّا تقدَّمَ في هود.

قوله: { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } خبرُ مبتدأ مضمرٍ فقدَّروه: أنتم قومٌ، ولم يَسْتحسِنْه بعضُهم؛ لأنَّ فيه عَدَمَ أُنْسٍ فمثلُه لا يقعُ من إبراهيم عليه السلام، فالأَوْلَى أَنْ يُقَدَّر: هؤلاء قومٌ أو هم قومٌ، وتكون مقالتُه هذه مع أهلِ بيتِه وخاصَّتِه لا لنفسِ الضيفِ؛ لأنَّ ذلك يُوْحِشُهم.