{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } أي ضرّرناها بالمعصية والتعريضِ للإخراج من الجنة { وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا } ذلك { وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } وهو دليلٌ على أن الصغائرَ يُعاقب عليها إن لم تُغفرْ، وقالت المعتزلةُ: لا يجوز المعاقبةُ عليها مع اجتناب الكبائرِ، ولذلك حمَلوا قولَهما ذلك على عادات المقربـين في استعظام الصغيرِ من السيئات واستصغارِ العظيمِ من الحسنات.
{ قَالَ } استئناف كما مر مراراً { ٱهْبِطُواْ } خطابٌ لآدمَ وحواءَ وذريتِهما، أو لهما ولإبليسَ، كُرر الأمرُ تبعاً لهما ليعلمَ أنهم قرناءُ أبداً، أو أُخبر عما قال لهم مفرّقاً كما في قوله تعالى:{ يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ } [المؤمنون، الآية 51] ولم يُذكر هٰهنا قَبولُ توبتِهما ثقةً بما ذكر في سائر المواضع { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } جملةٌ حالية من فاعل اهبطوا أي مُتعادِين { وَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } أي استقرارٌ أو موضعُ استقرارٍ { وَمَتَـٰعٌ } أي تمتعٌ وانتفاع { إِلَىٰ حِينٍ } هو حينُ انقضاءِ آجالِكم.
{ قَالَ } أُعيد الاستئنافُ إما للإيذان بعدم اتصالِ ما بعده بما قبله كما في قوله تعالى:{ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } [الحجر، الآية 57] إثرَ قوله تعالى:{ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } [الحجر، الآية 56] وقوله تعالى:{ قَالَ أَرَءيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ } [الإسراء، الآية 62] بعد قوله تعالى:{ قَالَ أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } [الإسراء، الآية 61] وإما لإظهار الاعتناءِ بمضمون ما بعده من قوله تعالى: { فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } أي للجزاءِ كقوله تعالى:{ مِنْهَا خَلَقْنَـٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } [طه، الآية 55].