قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } يعني واذكر لأهل مكة، ويقال معناه واصبر على ما يقولون واذكر هود { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } يعني خوف قومه بموضع يقال له الأحقاف روى منصور عن مجاهد قال: الأحقاف الأرض، ويقال: جبل بالشام ويسمى الأحقاف، وقال القتبي: الأحقاف: جمع حقف وهو من الرمل ما أشرف من كثبانه واستطال وانحنى { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } يعني مضت من قبل هود { وَمِنْ خَلْفِهِ } يعني ومن بعده { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } يعني خوفهم ألا تعبدوا إلا الله ووحدوه { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني أعلم أنكم إن لم تؤمنوا يصبكم عذاب يوم كبير { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءالِهَتِنَا } يعني لتصرفنا عن عبادة آلهتنا { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } من العذاب { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } أن العذاب نازل بنا { قَالَ } هود { إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } يعني علم العذاب عند الله يجيء بأمر الله، وإنَّما عليَّ تبليغ الرسالة، وليس بيدي إتيان العذاب، فذلك قوله { وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ } يعني ما يوحي الله إليَّ لأدعوكم إلى التوحيد { وَلَـٰكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } لما قيل لكم، ولما يراد بكم من العذاب { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } يعني لما رأوا العذاب مقبلاً، وكانت السحابة إذا جاءت من قبل ذلك الوادي أمطروا، وقال القتبي: العارض: السحاب { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } يعني هذه سحابة وغيم ممطرنا، أي تمطر به حروثنا، لأن المطر كان حبس عنهم فقال هود: ليس هذا عارض { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ } يعني الريح والعذاب { رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي متلف، وروى عطاء عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رياحاً مختلفة تلون وجهه وتغير وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فذكرت ذلك له فقال: وما يدريك لعله كما قال الله: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } فإذا أمطرت سري عنه، ويقول{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [الفرقان: 48] ثم قال تعالى { تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء بِأَمْرِ رَبّهَا } يعني تهلك الريح كل شيء بأمر ربها، أي بإذنه تعالى { فَأَصْبَحُواْ } أي فصاروا من العذاب بحال { لاَ يُرَىٰ مَسَـٰكِنِهِمْ } وقد ذكرناه في سورة الأعراف، قرأ حمزة وعاصم (لا يُرَى) بضم الياء (مَسَاكِنُهُمْ) بضم النون على معنى: فعل ما لم يسم فاعله، يعني: لا يرى شيء وقد هلكوا كلهم، وقرأ الباقون (لاَّ تَرَى) بالتاء على معنى المخاطبة، ومعناه لا ترى شيئاً أيها المخاطب لو كنت حاضراً ما رأيت إلا مساكنهم، ثم قال { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } يعني هكذا نعاقب القوم المشركين عند التكذيب { وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ } يعني أعطيناهم الملك والتمكين { فِيمَا إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ } يعني ما لم نمكن لكم، ولم نعطكم يا أهل مكة، وقال القتبي إن الخفيفة قد تزاد في الكلام كقول الشاعر: ما إن رأيت ولا سمعت به، يعني ما رأيت ولا سمعت به يعني ما لم نمكن لكم ومعنى الآية ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه، وقال الزجاج: إنْ هٰهنا مكان ما، يعني فيما مكناكم فيه، ويقال معناه ولقد مكناهم في الذي مكناكم فيه { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَـٰراً وَأَفْئِدَةً } يعني جعلنا لهم سمعاً ليسمعوا المواعظ، وأبصاراً لينظروا في الدلائل وأفئدة ليتفكروا في خلق الله تعالى { فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } يعني لم ينفعهم من العذاب { سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْء } إذ لم يسمعوا الهدى، ولم ينظروا في الدلائل، ولم يتفكروا في خلقه { إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } يعني بدلائله { وَحَاقَ بِهِم } يعني نزل بهم من العذاب { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } يعني العذاب الذي كانوا يجحدون به ويستهزئون قوله تعالى { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مّنَ ٱلْقُرَىٰ } يعني أهلكنا قبلكم يا أهل مكة بالعذاب ما حولكم من القرى { وَصَرَّفْنَا ٱلآيَـٰتِ } أي بينا لهم الدلائل والحجج والعلامات { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي يرجعون عن كفرهم قبل أن يهلكوا قوله تعالى { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ } يعني فهلا نصرهم، يعني كيف لم يمنعهم من العذاب { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً } يعني عبدوا من دون الله ما يتقربون بها إلى الله { ءالِهَةً } يعني أصناماً كما قال في آية أخرى