لذلك { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي: بالرسول المنزل إليهم { وَ } كيف يؤمن بك يا أكمل الرسل هؤلاء الكفرة؛ إذ { قَدْ خَلَتْ } مضت { سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } [الحجر: 13] أي: سنة الله في الكفرة الماضين، أو سنة كل فرقة من أسلافهم، وهم أيضاً على أثرهم وطبقهم تقليداً لهم؟!. { وَ } من خبث طينتهم، وفسوقهم وغفلتهم { لَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم } أي: على هؤلاء المستهزئين المنهمكين في الغي والضلال { بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } على خلاف العادة ليؤمنوا بك وبدينك وكتابك { فَظَلُّواْ فِيهِ } وصاروا { يَعْرُجُونَ } [الحجر: 14] يصعدون منه نحو السماء، ويستوضحون ما فيها. { لَقَالُواْ } من شدة غيهم وضلالهم: { إِنَّمَا سُكِّرَتْ } وحيرت { أَبْصَارُنَا } بسحر محمد وتلبيسه، وإنما فُعل بنا هذا؛ لنؤمن له، ونصدق قوله وكتابه، ونقبل دينه { بَلْ } أمرنا كذلك بلا شك وتردد؛ إذ { نَحْنُ } بمشاهدة هذا الفتح والعروج { قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } [الحجر: 15] مغبوطون مخبوطون، لبس علينا الأمر هذا الشخصُ بالسحر والشعبذة. ثمَّ قال سبحانه امتناناً لعباده بتهيئة أسباب معاشهم: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا } وقدرنا { فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً } اثني عشر تدور وتتبدل فيها الشمس في كل سنةٍ شتاءً وصيفاً، ربيعاً وخريفاً، والقمرُ في كل شهر تتميماً لأسباب معاشكم، وتنضيجاً لأقواتكم وأثمَّاركم { وَزَيَّنَّاهَا } أي: حسناً نظمها وترتيبها، وهيئاتها وأشكالها { لِلنَّاظِرِينَ } [الحجر: 16] المتأملين في كيفية حركاها ودوراتها وانقلاباتها؛ ليستدلوا بها على قدرة مبدعهخا، ومتانة أمر صانعها ومخترعها إلى أن ينكشفوا بوحدة المظهر ورجوع الكل إليه. { وَ } مع ذلك { حَفِظْنَاهَا مِن } اطلاع { كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } [الحجر: 17] على ما فيها من السرائر والحكم المودعة. { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ } واختلس من الشياطين { ٱلسَّمْعَ } والاستطلاع من سكان السماوات، وتكلف في الصعود والرقي نحوها { فَأَتْبَعَهُ } من كمال قهر الله إياه { شِهَابٌ } جذوةُ نارٍ على مثال كوكب { مُّبِينٌ } [الحجر: 18] ظاهرٍ عند أولي الأبصار زجراً له، ومنعاً عن الاستطلاع بالسرائر. { وَٱلأَرْضَ } أيضاً { مَدَدْنَاهَا } أي: مهَّدناها وبسطناها { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } شامخات لتقررها وتثبيتها؛ ولتكون مقراً للمياه والعيون، ومعدناً للجواهر { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } [الحجر: 19] مطبوعٍ ملائمٍ، تستحسنها الطباع وتستلذ به. { وَ } إنما { جَعَلْنَا } وخلقنا كل ذلك؛ أي: العلويات والسلفليات؛ ليحصل { لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } تعيشون بها، وتقومون مزاجكم منها؛ لتتمكنوا وتقدروا على سلوك طريق التوحيد والعرفان الذي هو سبب إيجادكم، والباعث على إظهاركم؛ إذ ما خُلقتم وجُبلتم إلاَّ لأجله { وَ } كذا معايش { مَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } [الحجر: 20] من أخلاقكم وأولادكم، وإن كنتم تظنون أنكم رازقون لهم ظناً كاذباً، بل رزقكم وزقهم ورزق جميع من في حيطة الوجود علينا. { وَ } كيف لا يكون رزق الكل علينا { إِن مِّن شَيْءٍ } أي: ما من رطب ولا يابس مما يطلق عليه اسم الشيء { إِلاَّ عِندَنَا } أي: في حيطة قدرتنا ومشيئتنا { خَزَائِنُهُ } أي: مخزننات كل شيء عندنا لا ينتهي قدرتنا دون مقدور، بل لنا القدرة الكاملة بإيجاد الخزائن من كل شيء { وَ } لكن اقتضت حكتمنا أنا { مَا نُنَزِّلُهُ } ونظهره { إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [الحجر: 21] عندنا، وفي حيطة علمنا، وأجل مقدر لدينا لا اطلاع لأحد عليه؟!.