قوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } السبب في نزولها: ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنا أحدُّ منك سناناً، وأبسطُ منك لساناً، وأملأُ للكتيبة منك، فقال له علي: اسكت، فإنما أنت فاسق، فنزلت هذه الآية. وقال شريك: نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل. قال الزجاج: " مَنْ " لفظها لفظ الواحد، وهي تدل على الواحد وعلى الجماعة، فجاء " لا يستوون " على معنى: لا يستوي المؤمنون والكافرون. ويجوز أن يكون " لا يستوون " للاثنين؛ لأن معنى الاثنين معنى الجماعة. ثم أخبر عن منازل المقربين فقال: { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ }. وقرأ ابن مسعود: " جَنَّةُ المأوى ". وقرأ الحسن والنخعي والأعمش: " نُزْلاً " بسكون الزاي، وذلك كله. والذي بعده مُفَسَّرٌ إلى قوله: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } أخرج مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب في قوله: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ } قال: " مصائب الدنيا، والروم، والبطشة أو الدخان. شَكَّ شُعبة في البطشة أو الدخان ". قال ابن مسعود وقتادة: ما أصابهم يوم بدر. وقال النخعي: سنون أخذوا بها. قال مقاتل: أخذوا بالجوع سبع سنين. وقال مجاهد: القتل والجوع. وكل هذه الأقوال داخلة في قول أبي بن كعب. قال الزجاج: وجملته: أن كل ما يعذَّبُ به في الدنيا فهو العذاب الأدنى، والعذاب الأكبر: عذاب الآخرة. وقال البراء: العذاب الأدنى: عذاب القبر. وقال جعفر بن محمد: العذاب الأدنى: غلاء السعر، والأكبر: خروج المهدي بالسيف. { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى الإيمان والطاعة. قوله تعالى: { ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } قال صاحب الكشاف: " ثم " هاهنا للاستبعاد. والمعنى: أن الإعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد [في العقل والعادة]، كما تقول لصاحبك: وجدت [مثل] تلك الفرصة ثم لم تنتهزها؛ استبعاداً لتركه الانتهاز. ومنه " ثُمَّ " في بيت الحماسة:
لا يكشفُ [الغَمَّاءَ] إلا ابن حُرّةٍ
يَرَى غَمَراتِ الموْتِ ثُمَّ يَزُورُها
استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن [رآها] واستيقنها واطلع على شدتها. فإن قلت: هلاَّ قيل: إنا منه منتقمون؟ قلتُ: لما جعله أظلم من كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم، فقد دل على إصابة الأظلم النصيب الأوفر [من] الانتقام، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الفائدة.